نقد نظريات د. خزعل الماجدي

في البداية..دعونا نطرح سؤال مهم متعلق بالعقل التاريخي في العراق كمدخل قبل الدخول في تحليل نظرية خزعل الماجدي في كتابه (كيف تحول عشرة ملوك سومريون الى عشرة أنبياء توراتيون):

● ما هي أشهر فكرتين موجودتين في العقل التاريخي للانسان في العراق المتعلقة بالتوراة ؟

– التوراة كتاب اليهود كتب في بابل في فترة السبي البابلي على يد رجل يهودي اسمه عازرا. 

– اليهود سرقوا قصص العراق القديم وجعلوها في كتابهم التوراة في فترة السبي البابلي. 

● السؤال الهام : من هو المصدر الأول لتلك الفكرتين، وفي أي وقت ظهرت تلك الفكرتين ؟ 

– المصدر الأول للفكرتين هم علماء الغرب ومؤلفات الغرب، وليس مؤرخ أو باحث عراقي فتلك الفكرتين ليستا الا ترديد من قبل العراقي لأقوال ونظريات علماء الغرب فقط. 

من كتب كل تاريخ العراق القديم ؟ المستشرقون الغرب. 

هل هناك عراقي واحد فك كتابة العراق القديمة ؟ لا. 

● الفكرة الاولى (التوراة كتاب اليهود كتب في بابل في فترة السبي البابلي على يد رجل يهودي اسمه عازرا):

مصدر هذا الاعتقاد قد جاء للعراقي مثل بقية سكان المنطقة من تاريخ مكة التي زرعت في عقل المسلم فكرة كون كتاب اليهود هو التوراة . 

لكن العراقي يزيد عن بقية سكان المنطقة بايمانه بأن التوراة كتبت في العراق في فترة السبي البابلي لليهود على يد ملك عراقي اسمه نبوخذنصر وايمان العراقي بهذه المصادر. 

كتب تفاسير التراث التي فسرت القران والتي هناك تفسيرات بأن مفسدة بني اسرائيل كانت في عهد نبوخذنصر ، والثاني جاءت من التاريخ العراقي الذي يوجد فيه ملك اسمه نبوخذنصر ، و الثالث من التاريخ الذي كتبه الغرب لليهود ومن كتاب العهد القديم . 

ولذلك فمن الطبيعي بأن مصادر العراقي في ايمانه بهذه الفكرة جاءت كلها من كتب الطابعة و التي معظمها من تاليف مستشرقين غرب او من كتاب البايبل، بينما القران مهجور تماما ولا يمثل للعراقي اي قيمة علمية او تاريخية في فهم معنى التوراة وفي ادراك طبيعة تاريخ اليهود.

● الان دعونا نذهب الى كتاب خزعل الماجدي : (كيف تحول عشرة ملوك سومريون الى عشرة أنبياء توراتيون) والذي طُبع 2018.. يقول في مقدمته :

“وهكذا قررت المباشرة في البحث وتأليف كتاب بعنوان (أنبياء سومريون) لاعتقادي بأن أنبياء ما قبل الطوفان هم ملوك سومريون حولتهم تقاليد التوراة وكتبتها من ملوك إلى أنبياء”.

– من يقرا هذه المقدمة ثم يدخل في فصول الكتاب ، سيعتقد بأن خزعل الماجدي قد جاء بنظرية جديدة ، ولست هنا في موضوع من هو أول من قال هذا الكلام العبقري، حتى أحاول سحب هذه الفكرة العبقرية من خزعل الماجدي.

– لكن لو تعود الى مطالعة ترتيب أوائل من ذكروا تلك الفكرة سوى باحثين غربين أوعراقين، ستجد ملاحظة هامة وهي أسماء مؤلفات المستشرقين الغرب وأسماء مؤلفات الباحثين العراقين. 

– في مؤلفات الغرب ستجد مسميات كتبهم تتعامل مع كتاب اليهود باسم (البايبل والعهد القديم)، لكن في كتب الباحثين العراقين ستجد بأنها تتعامل مع مسميات كتاب اليهود باسم (التوراة).

– مسمى كتاب فاضل عبد الواحد هو : (من سومر الى التوراة).

– مسمى كتاب خزعل الماجدي هو : (كيف تحول عشرة ملوك سومريون الى عشرة أنبياء توراتيون).

هذه الاسماء تدل لك على الاعتقاد الراسخ لدى المؤرخين العراقين بأن كتاب اليهود هو التوراة ،والحقيقة ليس خاص بالمؤرخين العراقين، بل كل الباحثين المسلمين، والسبب هو قصة مكة و التراث الذي جاءت به، والتي تعمدت غرس مسمى التوراة على كتاب اليهود.

لكن ما يزيد رسوخ هذه الفكرة لدى الباحثين العراقين، هو شيئن:

 ● بابل في العراق والسبي البابلي.

الشيء الثاني دهشة الحل عند تفسيرهذه التشابه، والذي سيقنع أي باحث عراقي بأنه هو التفسير المنطقي، فقصة السبي البابلي ستجعله يتوصل الى أن فترة السبي وتواجدهم في العراق هي القادرة على تفسير التشابه والتطابق وهذا يدل على ان اليهود اخذوها من العراق.

ولأن فكرة ألواح الطينية المكتوب عليها كتابة مسمارية، بعمر قديم ، فمن المنطقي بأن اليهود بعد زمن اخذوا من تلك القصص و الأساطير وجعلوها في كتابهم التوراة، وبسبب هذه السلاسة في التفسير جعلهم يعتقدوا بشخصية كتبت كتاب اليهود اسمه عازرا.

● الان دعونا نطرح اسئلة منطقية:

– عندما كان اليهود في العراق في فترة السبي ، كتبوا كتابهم على قراطيس ، لكن العراقي ساعتها كان مازال يكتب على الألواح الطينية، فلم تصل لنا قراطيس سومرية، وكل قصص سومر في ألواح طينية حتى في فترة السبي ، بدليل أن الغرب اكتشف اسطوانة قورش الذي حرر اليهود من السبي وهي مكتوبة على أسطوانة طينية .

– فكيف يعقل منطقيا أن يكتب ناس على ألواح طينية ويكتب ناس في بلادهم على قراطيس ورقية ؟

– لماذا العراقيون في فترة السبي البابلي كان يكتبون نصوصهم بخط معقد وصعب جدا، بينما اليهود المسبين كانوا ساعتها يكتبون بخط سهل جدا وبسيط ؟

– لماذا اليهود هم وحدهم من اخذوا من قصص سومر ، ولا يوجد أحد اخذ تلك القصص غيرهم، هل بسبب السبي ؟

لكن لا يمنع أن أحد سافر للعراق بدون أن يتعرض للسبي ، وياخذ تلك القصص.

● ما أهمية اخذ اليهود لتلك القصص، وما القيمة المعرفية والدينية بأخذ قصص من شعب اخر ونسبها له، لتكون تلك القصص دين له، هل يصعب على اليهود أن يبتكروا قصص مختلفة ويجعلوها دين خاص بهم بدل سرقة قصص سومرية ؟

سؤال هام ويحتاج الى جواب صريح ، وأوجهه لخزعل الماجدي وللقارئ العراقي الذين يؤمن بتلك الفكرة :

 ● اذا كان اليهود قد سرقوا تلك القصص من سومر، فهل المسلمين قد سرقوا أيضا قصص قراءنهم من سومر أم من اليهود ؟

اختصروا الفكرة بدل هذا التعريض الغير المباشر ، وقولوا : المسلمين سرقوا قصص قراءنهم من سومر.

بل من المفروض أن يكون عنوان كتاب خزعل الماجدي ( كيف تحول عشرة ملوك سومريون الى عشرة أنبياء في القران ).

– الحقيقة بأن خزعل لم يقوم باي شيء فكري مفيد ، سوى قراءه نظريات غربية ، واعاد ترجمتها لنا ، سوى كانت ترجمة حرفية او ترجمة بتصريف.. وهو في كتابه لم يقدم بعد اي قراءة علمية جادة لتاريخ العراق القديم معتمد على أدواته الذاتية تستحق النظر بها جيدا ، وبنظري ليس باحث حقيقي، بل يمكن اعتبارة مجرد شخص مترجم أو ناقل أو مردد لنظريات تاريخية يكتبها الغرب عن العراق، فكل ما يقوم به هو ترديد اقول ونظريات مؤرخين ومستشرقين صهاينة غرب.. ولم يفد تاريخ العراق بأي بحث علمي حقيقي معتمد على قراءة دقيقة للواقع في العراق.. فهو لا يعرف معنى التوراة الموجودة في خطاب القران الذي يؤمن به معظم العراقين، ويعتمد على كتاب دين الغرب البايبل كمرجع تاريخي علمي وفي نفس الوقت لا يعتمد القرآن، ويعتمد على تاريخ كتبه مستشرقين غرب صهاينة.

● ما هو جذر المشكلة عند خزعل الماجدي الذي أوصلته لتأليف هذا الكتاب والاعتقاد بأنه يقدم نظرية علمية خارقة ؟

– لا يعيش الواقع ولا يستطيع أن يقرأ هذا الواقع بدقة، فهو يعيش داخل فضاء ميثولوجيا الأديان التي كتبها الغرب للعراق والمنطقة و يؤمن بها.. كيف ؟

لو خزعل الماجدي يعيش الواقع ، لكان قد طرح سؤال طبيعي جدا يفرض نفسه بقوة على أي باحث حقيقي، وهذا السؤال هو :

● لماذا لم يكتشف حتى اليوم اي اثر قديم في الأرض للأنبياء المذكورين في القراءن النص المقدس للمسلمين ؟!

– كل هذه الاكتشافات الضخمة و الترجمات الكبيرة والمدة الطويلة من بداية علم الاثار والتنقيب ، لكن لا وجود لذكر لأي واحد من الأنبياء في أي مكان في المنطقة ، وكانهم مثل الوهم التاريخي ، وكلام الله كاذب وغير حقيقي ، بالمقابل هناك مسميات ملوك لا حصر لها بشكل غريب لكن كلهم من أديان غريبة ويعبدون مليون اله والهات غريبة .. وهذا الامر الغريب، تسبب بانتاج ثلاثة أنواع من العقول في الواقع من حولنا :

– عقل يؤمن بان شخصيات القراءن وهمية لا حقيقة لها.. وهذا العقل أغلبهم باحثون المؤمنين بالميثولوجيا التي استخرجها الغرب من نقوش المنطقة ، مثل #ماجد_الخزعلي و#فراس_السواح وغيرهم.

– عقل قرر اعادة تأويل القراءن وأصبح يؤمن بأن الأنبياء عبارة عن مقامات أو رمزيات فقط .. وهذا العقل أغلبهم من التنويرين الذين يؤمنون بالدين المعنوي الغير مجسد.

– عقل زاوج بين الحالتين فهو يعتقد بان الأنبياء هم شخصيات قديمة لكن تحمل مسميات مختلفة حسب ترجمات الغرب .. وهذا أغلبهم من الذين يؤمنون بترجمات الغرب والقراءن لكن يؤمنون بان القراءن ينقل أسماء تلك الشخصيات بشكل مختلف.

سنتحدث عن العقل الاول، وهو العقل الذي يملكه خزعل الماجدي. 

● لو طرحنا سؤال لخزعل الماجدي : هل تم ذكر اسماء انبياء في نقوش العرق ؟!. مؤكد بان جوابه و بكل ثقة سيكون : لا.

وبأنه لا يوجد أي ذكر من بعيد أو من قريب لأنبياء الأديان الابراهيمة في نقوش العراق.. وهو جواب صحيح تقريبا حسب اكتشافات الغرب والتاريخ الذي كتب. 

لكن دعونا نعيد طرح السؤال السابق لخزعل الماجدي بسؤالين واجابته : السؤال الاول :

● هل تم اكتشاف أسماء شخصيات موجودة في قراءن المسلمين داخل نقوش العراق القديم ؟ سيكون جواب خزعل الماجدي : لا بشكل مطلق . 

●السؤال الثاني : هل تم اكتشاف اسماء شخصيات موجودة في كتاب اليهود داخل نقوش العراق؟ سيكون جواب خزعل الماجدي :

نعم أسماء عديدة .. الفرق في طريقة طرح الأسئلة ، هي التي ستكشف جوهر اللعبة التي لا يستوعبها خزعل الماجدي والتي جعلته يصل لتاليف ذلك السؤال .. لماذا ؟

– لو تفتش في الكتاب الديني الذي يؤمن به الغرب ( البايبل ) والمكتوب بعدد كبير من اللغات العالمية ، والذي يحسبه خزعل الماجدي التوراة ، ستجده يحوي على نوعين من الشخصيات : 

– النوع الاول : شخصيات ملوك لا يحملون صفة دينية وغير مذكورة في القراءن ، وهذه الشخصيات من كل مكان :  حمورابي – سنحاريب – سرجون – قورش – نبوخذنصر .. 

– النوع الثاني : شخصيات تحمل صفة دينية و تشبه نوعا ما شخصيات أنبياء في القراءن، أسماءهم مقاربة لأسماء الأنبياء في القراءن، وقصصهم تحمل اطار عام يشبه قصصهم في القران : ابرهام صامويل سولومون جاكوب جوزيف موشي .. و كما يعرف الجميع بأن الغرب وحدهم من ترجموا الكتابات القديمة في المنطقة، وكل الاكتشافات تمت على ايديهم.

● لقد تمكن الغرب بسهولة جدا وبسرعة في بدايات دخوله لاحتلال المنطقة ،من اكتشاف أسماء النوع الأول من الشخصيات الموجودة في كتاب البايبل في نقوش العراق، و قد كتب مؤرخي الغرب كتب تاريخية كثيرة و ضخمة حول شخصيات النوع الأول وقد قال لنا الغرب بأنها مستخرجة من كتابات المنطقة القديمة، بدون ارفاق النصوص الأصلية بجانب كتاباته.                                 

● لعبة الغرب تريد صناعة وعي جديد عند المسلم بأن دينه ظهر بعد اليهودية ونزع المسلم من الارتباط بواقعه من حوله ومن كتابات المنطقة القديمة دينيا ولسانا .. ومع الوقت سيحدث جدل حول أسماء الأنبياء بين شولومون وسليمان مثلا ، وحول طبيعة الدين الأول ، بسبب وجود أديان أخرى من صناعته تنسب نفسها لابراهيم وعندها سيبدأ يفهم المسلم خطاب القراءن جيدا.

كيف ؟

● سيعرف المسلم بان القراءن عندما يتحدث عن (الكتاب) فهو لا يقصد هذا المصحف بل كتابات قديمة (زبر الاولين) وبأنه قد حفظ القراءن من تلك الكتابات القديمة ، ثم سيعرف المسلم معنى كلمة (يحرفون كلام الله) ومعنى (يلوون السنتهم بالكتاب) وما معنى ( كتاب فصلت اياته قراءنا عربيا لقوم يعلمون ) ، سيعرف معنى (ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعدما  جاءهم العلم بغيا بينهم) ثم سيدرك المسلم حقيقة كتاب البايبل ، وحقيقة اللغات التي تم جعلها لغة رسمية لهذا الكتاب .

● وهكذا مع الوقت تنكشف اللعبة الشيطانية والغرب لا يريد أن يسلك هذا الطريق، فقرر منع النوع الثاني من الشخصيات الموجودة في كتابه من الظهور في كتابات المنطقة القديمة، والادعاء بأن لا وجود لها هذه هي القصة وبهذه الحيلة استطاع الغرب تحويل النوع الأول من الشخصيات الموجودة في كتابه الى حقيقية كانت في الماضي عبر الادعاء بأن أسماءها موجودة في الكتابات القديمة واخفاء أسماء شخصيات القراءن التي تشبه أسماء وقصص شخصيات النوع الثاني في كتابه، فتحولت الى وهم تاريخي.

● لقد قلبوا الوهم الى حقيقة وقلبوا الحقيقة الى وهم وهذا هو السحر الذي يعنيه القراءن الذي تلته شياطين الغرب على ملك سليمان، هذا السحر الذي خزعل الماجدي داخله والذي جعله يؤمن بأن الأنبياء هم تاريخ وهمي وبأن الوهم هو حقيقة تاريخية هذا هو المشروع الذي جاء به شياطين الغرب، بعد أن احتلوا مصر والمنطقة وقاموا بتزوير القيم الصوتية لكتابات المنطقة القديمة.

● فاخفوا اسم سليمان من نقوش مصر القديمة التوراة ، واستبدلوه باسم واحد من النوع الأول الموجود  في كتابهم ( راعمسيس) فقد قام فريق من الغرب بتبديل القيم الصوتية لحروف كتابة اسم سليمان ثم جعلوا الاسم ينطق ( باسم شخصية من شخصيات النوع الأول في كتاب البايبل راعمسيس) ، ثم بعدها قام فريق منهم بتاليف كتاب يحوي على اسم يشبه اسم سليمان ( سولمون ) والفوا قصة تشبه نوعا ما قصة سليمان في القراءن وهكذا اعتقد خزعل الماجدي وغيره بأن كتاب البايبل هو التوراة وكتاب من عند الله ونسوا الكتاب الذي يعنيه القراءن والذي حفظوا منه القران وهكذا حول الغرب نقوش المنطقة القديمة الى كتاب يتحدث عن قصص لشخصيات من النوع الأول الموجودة في كتابه لا تنتمي لدين المسلم بل تؤمن بآلهات عديدة.