ما هو الكتاب- ملخص النقاش 12

ما هو الكتاب- ملخص النقاش 12

6/14/2020 0:00:00

رابط المقال

نحن سنسرد التاريخ الرسمي الموجود الان ، و سنقوم بوضع تعليقاتنا على هذه الاحداث التاريخية في نقاشنا على قناتنا في زيلو او مسجل على قناتنا في تلجرام .

الغزو الفرنسي على مصر (1798-1801).

■ لماذا مصر ؟!

جعل مصر قاعدة استراتيجية تكون نواة للإمبراطورية الفرنسية في الشرق.

■ لكن لماذا هذا التوقيت ؟

يقال ان السبب هو الضعف الذي تسرب إلى الدولة العثمانية فأخذت فرنسا تتطلع إلى المشرق العربي مرة أخرى … وكانت تقارير رجالهم تحرضهم بأن اللحظة المناسبة قد حان أوانها ولا بد من انتهازها.

فهناك تقرير سانت بريست سفير فرنسا في الآستانة منذ سنة (1768م) والبارون دي توتو قنصل فرنسا في الإسكندرية حول ضعف الدولة العثمانية، وأنها في سبيلها إلى الانحلال، ودعت تلك التقارير إلى ضرورة الإسراع باحتلال مصر، غير أن الحكومة الفرنسية ترددت ولم تأخذ بنصائحهم، احتفاظا بسياستها القائم ظاهرها على الود والصداقة للدولة العثمانية.

* هذا يعني أن احتلال مصر كانت رغبة قوية لدى فرنسا قبل الثورة الفرنسية ، مما يعني بان الثورة الفرنسية سارت على نفس الرغبة القديمة .

* لاحظ كيف ينسب التاريخ الموانع هو الحفاظ على الصداقة و الود مع العثمانين و ليس مع المصرين ……. من اجل جعلك تعتقد بان العثمانين هم اوصياء على ذلك المكان .

* ايضا لاحظ كيف انه لا يذكر الماليك .. لانه حسب التاريخ كانت مصر تحت حكم المماليك ، و هي دولة مشتقلة عن العثمانين و لا علاقة لها بمصر .

■ كيف وافقت فرنسا على الحملة ؟

تقريران هما اسباب تجهيز الحملة العسكرية

1- تقرير شارل مجالون قنصل فرنسا في مصر

حيث قدم شارل مجالون القنصل الفرنسي في مصر تقريره إلى حكومته في 9 فبراير 1798م يحرضها على ضرورة احتلال مصر، ويبين أهمية استيلاء بلاده على منتجات مصر وتجارتها، ويعدد لها المزايا التي ينتظر أن تجنيها فرنسا من وراء ذلك.

2- تقرير تاليران وزير الخارجية فرنسا

بعد أيام قليلة من تقديم تقرير مجالون تلقت حكومة فرنسا تقريرا آخر من – تاليران – وزير الخارجية، ويحتل هذا التقرير مكانة كبيرة في تاريخ الحملة الفرنسية على مصر ، حيث عرض فيه للعلاقات التي قامت من قديم الزمن بين فرنسا ومصر ، و وضح فيه الآراء التي تنادي بمزايا الاستيلاء على مصر، وقدم الحجج التي تبين أن الفرصة قد أصبحت سانحة لإرسال حملة على مصر وفتحها، كما تناول وسائل تنفيذ مشروع الغزو من حيث إعداد الرجال وتجهيز السفن اللازمة لحملهم وخطة الغزو العسكرية، ودعا إلى مراعاة تقاليد أهل مصر وعاداتهم وشعائرهم الدينية، وإلى استمالة المصريين وكسب مودتهم بتبجيل علمائهم وشيوخهم واحترام أهل الرأي منهم؛ لأن هؤلاء العلماء أصحاب مكانة كبيرة عند المصريين.

■ قرار الحملة

التقريران اثارا اهتمام الحكومة التي قامت بعد الثورة الفرنسية ، و نال موضوع غزو مصر اهتمام ايضا ، وخرج من مرحلة النظر والتفكير إلى حيز العمل والتنفيذ.

وأصدرت الحكومة قرارها التاريخي بوضع جيش الشرق تحت قيادة نابليون بونابرت في 12أبريل 1798م

وتضمن القرار مقدمة و ست مواد :

اشتملت المقدمة على الأسباب التي دعت حكومة الإدارة إلى إرسال حملتها على مصر، وفي مقدمتها عقاب المماليك الذين أساءوا معاملة الفرنسيين واعتدوا على أموالهم وأرواحهم، والبحث عن طريق تجاري آخر بعد استيلاء الإنجليز على طريق رأس الرجاء الصالح وتضييقهم على السفن الفرنسية في الإبحار فيه، وشمل القرار تكليف نابليون بطرد الإنجليز من ممتلكاتهم في الشرق، وفي الجهات التي يستطيع الوصول إليها، وبالقضاء على مراكزهم التجارية في البحر الاحمر والعمل على شق قناة السويس.

■ تجهيز الحملة

جرت الاستعدادات لتجهيز الحملة ، وكان قائد الحملة الجنرال نابليون يشرف على التجهيز بكل عزم ونشاط ويتخير بنفسه القادة والضباط والعلماء والمهندسين والجغرافيين، وعني بتشكيل لجنة من العلماء عرفت باسم لجنة العلوم والفنون وجمع كل حروف الطباعة العربية الموجودة في باريس لكي يزود الحملة بمطبعة خاصة بها.

مكونات الحملة

35 ألف جندي، تحملهم 300 سفينة و يحرسها أسطول حربي فرنسي مؤلف من 55 سفينة، و عدد من العلماء في مجالات كثيرة .

ماهي الاحتياطيات التي تمت اثناء تجهيز الحملة ؟

عند الشروع و التجهز لاي عمل سوى كان عمل عسكري لابد من وجود احتياطات يتم عملها ، و من اشهر الاحتياطات التي تم القيام بها و المعروفة في التاريخ الرسمي الذي لا يوجد اختلاف حوله .

لقد تمت التكتم و السرية على الجهة التي يقصدها الأسطول حتى إن الرجال كلهم – تقريبا – والبالغ عدده لم يكونوا يعلمون وجهة الأسطول، وفي بيان له سمات خاصة وجهه نابليون “لجيش الشرق” الجديد أشار إليه بأنه مجرد جناح للجيش الفرنسي المعد لغزو انجلترا، وطلب من البحارة والجنود أن يثقوا به رغم أنه لا يستطيع حتى الآن أن يحدد المهام الموكلة إليهم.

■ متى انطلقت الحملة ؟

وأبحرت الحملة من ميناء طولون في 19 مايو1798م.

■ الاحداث التي وقعت قبل وصول الحملة ؟

في 9 يونيو ظهر الأسطول الفرنسي إزاء سواحل مالطا، وتأخر نابليون في الجزيرة أسبوعا ليعيد تنظيم إدارة الجزيرة على نمط الإدارة الفرنسية .

و بالرغم من السرية التامة التي أحاطت بتحركات الحملة الفرنسية وبوجهتها فإن أخبارها تسربت إلى بريطانيا العدو اللدود لفرنسا، وبدأ الأسطول البريطاني يراقب الملاحة في البحر المتوسط، واستطاع نيلسون قائد الأسطول الوصول إلى ميناء الإسكندرية قبل وصول الحملة الفرنسية بثلاثة أيام، وأرسل بعثة صغيرة للتفاهم مع السيد ( محمد كريم ) حاكم المدينة وإخباره أنهم حضروا للتفتيش عن الفرنسيين الذين خرجوا بحملة كبيرة وقد يهاجمون الإسكندرية التي لن تتمكن من دفعها ومقاومتها، لكن السيد محمد كريم ظن أن الأمر خدعة من جانب الإنجليز لاحتلال المدينة تحت دعوى مساعدة المصريين لصد الفرنسيين، وأغلظ القول للبعثة؛ فعرضت أن يقف الأسطول البريطاني في عرض البحر لملاقاة الحملة الفرنسية وأنه ربما يحتاج للتموين بالماء والزاد في مقابل دفع الثمن، لكن السلطات رفضت هذا الطلب.

و توقعت بريطانيا أن تكون وجهة الحملة الفرنسية إلى مصر العثمانية دليلٌ على عزمها على اقتسام مناطق النفوذ في العالم العربي وتسابقهما في اختيار أهم المناطق تأثيرا فيه، لتكون مركز ثقل السيادة والانطلاق منه إلى بقية المنطقة العربية، ولم يكن هناك دولة أفضل من مصر لتحقيق هذا الغرض الاستعماري.

■ وصول الحملة مصر

– الوصول للاسكندرية

وصلت الحملة الفرنسية إلى الإسكندرية ونجحت في احتلال المدينة في 2 يوليو 1798م بعد مقاومة من جانب أهلها وحاكمها السيد محمد كريم دامت ساعات.

وراح نابليون يذيع منشورا على أهالي مصر تحدث فيه عن سبب قدومه لغزو بلادهم وهو تخليص مصر من طغيان البكوات المماليك الذين يتسلطون في البلاد المصرية، وأكد في منشوره على احترامه للإسلام والمسلمين، وبدأ المنشور بالشهادتين وحرص على إظهار إسلامه وإسلام جنده كذبا وزورا، وشرع يسوق الأدلة والبراهين على صحة دعواه، وأن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون، فقال: “إنهم قد نزلوا روما وخربوا فيها كرسي البابا الذي كان دائما يحث النصارى على محاربة المسلمين،” وأنهم قد قصدوا مالطة وطردوا منها فرسان القديس يوحنا الذين كانوا يزعمون أن الله يطلب منهم مقاتلة المسلمين.

وأدرك نابليون قيمة الروابط التاريخية الدينية التي تجمع بين المصريين والعثمانيين تحت لواء الخلافة الإسلامية؛ فحرص ألا يبدو في صورة المعتدي على حقوق السلطان العثماني؛ فعمل على إقناع المصريين بأن الفرنسيين هم أصدقاء السلطان العثماني.

– الطريق إلى القاهرة

وفي مساء يوم 3 يوليو 1798 م زحفت الحملة على القاهرة، وسلكت الحملة طريقين أحدهما بري وسلكته الحملة الرئيسية؛ حيث تسير من الإسكندرية إلى دمنهور فالرحمانية، فأم دينار على مسافة 15 ميلا من الجيزة. وأما الطريق الآخر فبحري وتسلكه مراكب الأسطول الخفيفة في فرع رشيد لتقابل الحملة البرية قرب القاهرة.

ولم يكن طريق الحملة سهلا إلى القاهرة فقد لقي جندها ألوانا من المشقة والجهد، وقابلوا مقاومة من قبل أهالي البلاد؛ فوقعت في 13 يوليو1798م أول موقعة بحرية بين مراكب المماليك والفرنسيين عند شبراخيت، وكان جموع الأهالي من الفلاحين يهاجمون الأسطول الفرنسي من الشاطئين غير أن الأسلحة الحديثة التي كان يمتلكها الأسطول الفرنسي حسمت المعركة لصالحه، واضطر مراد بك قائد المماليك إلى التقهقر صوب القاهرة.

ثم التقى مراد بك بالفرنسيين عند منطقة إمبابة 21 يوليو 1798م في معركة أطلق عليها الفرنسيون معركة الأهرام. وهناك قال لجنوده مقولته المشهورة : “إن أربعين قرنا تتطلع إليكم”

ومرة أخرى واجه الفرنسيون هذا الهجوم بطلقات المدافع والبنادق والحراب المثبته فقتل سبعون فرنسيا وألفٌ وخمسمائة مملوك، وغرق كثيرون منهم في النيل في أثناء هروبهم الطائش.

وفي 22 يوليو أرسلت السلطات التركية في القاهرة مفاتيح المدينة إلى نابليون مما يعني الاستسلام.

وفي 32 يوليو دخل نابليون القاهرة من غير أن يواجه مقاومة.

– نابليون في القاهرة

دخل نابليون مدينة القاهرة تحوطه قواته من كل جانب، وفي عزمه توطيد احتلاله للبلاد بإظهار الود للمصريين وبإقامة علاقة صداقة مع الدولة العثمانية، وباحترام عقائد أهالي البلاد والمحافظة على تقاليدهم وعاداتهم؛ حتى يتمكن من إنشاء القاعدة العسكرية، وتحويل مصر إلى مستعمرة قوية يمكنه منها توجيه ضربات قوية إلى الإمبراطورية البريطانية.

اعماله :

وفي اليوم الثاني لدخوله القاهرة وهو الموافق 25 يوليو 1798م أنشأ نابليون ديوان القاهرة من تسعة من كبار المشايخ والعلماء لحكم مدينة القاهرة .

ومن القاهرة أصدر أوامره بأن تدار أمور مصر عن طريق دواوين عربية تابعة لسيطرته.

ومنع جنوده من السلب والنهب وحمى حقوق الملكية الموجودة لكنه استمر في تحصيل الضرائب التي فرضها المماليك الغزاة على أهل البلاد لتمويل جيشه.

وعقد اجتماعا مع علماء الحملة لوضع الخطط للقضاء على الطاعون وإدخال صناعات جديدة وتطوير نظم التعليم المصري وتحسين القوانين المعمول بها، وإنشاء خدمات بريدية ونظام مواصلات، وإصلاح الترع وضبط الري وربط النيل بالبحر الأحمر.

أمر نابليون باصدار الجريدة الرسمية السياسية الناطقة بلسان الجيش الفرنسي بعنوان “بريد مصر” (“كوريه ديجبت”) في 29 أب (أغسط) 1798، كانت تصدر كل خمسة أيام، وصدر منها 116 عددا، تبعتها جريدة “العشارى المصرية” (دكاد اجبسيان) ، وكانت تصدر كل عشرة أيام (كانت في الحقيقة فصلية لم يصدر منها سوى ثلاثة أعداد). وهي لسان حال البعثة العلمية المرافقة للجيش الفرنسي. كان قراء هاتين الجريدتين باللسان الفرنسي أساسا من الفرنسيين المرافقين للحملة العسكرية.

وامتثالا لأوامر نابليون صدرت في القاهرة عدة صحف في لغة العربية ، وهي جريدة “الحوادث اليومية” التي اكتنفت الغموض حول ظروف نشأتها ولا يزال.

– التوجه الى الشام

عندما سمع نابليون أن الأتراك يعدون جيشا لاستعادة مصر صمم على مواجهة التحدي فأعدّ ثلاثة عشر ألفا من رجاله إلى سوريا، وانطلق في 10 فبراير 1799 واستولى على العريش وأتم عبور صحراء سيناء ويبين لنا خطاب كتبه نابليون في 27 فبراير بعض جوانب هذه المحنة: حرارة وعطش “وماء غير عذب تعتريه ملوحة، وأحيانا لا ماء أبداً لقد أكلنا الكلاب والحمير والجمال” ووجدوا في غزة – ويا لسعادتهم – بعد معركة قاسية – خضراوات طازجة وبساتين ذوات فواكه لا مثيل لها.

وفي 3 مارس1799 توقفت القوات الفرنسية أمام مدينةيافا ذات الأسوار والسكان المعادين وحصن يدافع عنه 2700 مقاتل تركي من ذوي البأس، فأرسل نابليون يعرض عليهم شروطا، لكنهم رفضوها، وفي 7 مارس أحدث المهندسون العسكريون الفرنسيون في أسوار المدينة ثغرة اندفع الجنود خلالها فقتلوا من قاومهم من السكان وسلبوا المدينة، وأرسل نابليون، يوجين دي بوهارنيه لإعادة النظام في المدينة فعرض حق الخروج الآمن لكل من يستسلم، وسلم جنود الحصن أسلحتهم حتى لا يلحق الفرنسيون مزيدا من الدمار في المدينة، وسيقوا أسرى إلى نابليون، فرفع يديه فزعا وتساءل : “ماذا يمكنني أن أعمل معهم؟” فلم يكن نابليون يستطيع أن يأخذ 2700 أسير معه في مسيرته تلك فالرجال الفرنسيون بذلوا قصارى جهدهم ليجدوا الطعام والشراب لأنفسهم، ولا يمكنه تدبير عدد كاف من الحراس لاصطحاب هؤلاء الأسرى ليسجنوا في القاهرة، وإذا هو أطلق سراحهم فما الذي يمنعهم من حرب الفرنسيين ثانية فعقد نابليون اجتماعا عسكريا وسألهم عن رأيهم في هذه المشكلة، فكان رأيهم أن أفضل حل هو قتل هؤلاء الأسرى، فتم الصفح عن نحو ثلاثمائة منهم، وقتل 1442 طعنا بالحراب لتوفير الذخيرة.

وواصل الغزاة مسيرتهم، وفي 18 مارس 1799 وصلوا إلى مدينة عكا شديدة التحصين، وكان يقود المقاومةالجزار باشا يساعده أنطوان دي فيليبو – الذي كان زميلا لنابليون في الدراسة في بريين، وحاصر الفرنسيون المدينة دون مدافع حصار ذلك أن مدافع الحصار التي كان قد تمَّ ارسالها من الإسكندرية بحرا استولى عليها أسطول إنجليزي بقيادة سيروليم سدني Sir William Sidneyوسلمها إلى حصن المدينة (عكا) وراح يزود حاميتها بالطعام والمواد اللازمة في أثناء الحصار. وفي 20 مايو بعد أن قضى الفرنسيون شهرين أمام أسوار المدينة وتكبدوا خسائر فادحة أمر نابليون بالعودة إلى مصر، وقد ذكر نابليون بعد ذلك متفجعا: “إنفيليبو Phélipppeau جعلني أتراجع عن عكا Acre، فلولاه لأصبحت سيد مفتاح الشرق ولأمكنني الذهاب إلى القسطنطينيةواستعادة الإمبراطورية الشرقية”.

– العودة إلى مصر

كانت العودة إلى مصر على طول الساحل في أيام نحسات متوالية، لقد كان الجيش أحيانا يقطع مسيرة تصل إلى إحدى عشرة ساعة يوميا بين آبار لا يشرب ماؤها في معظم الحالات يسمم البدن ولا يكاد يطفىء عطشا. وطلب نابليون من أطباء الحملة تدبير جرعات مميتة من الأفيون للقضاء على المصابين بأمراض لا شفاء لها، لكن الأطباء رفضوا وسحب نابليون اقتراحه، وأمر بالتخلي عن ركوب الخيل وتركها للمرضى وجعل من نفسه قدوة لضباطه بسيره على قدميه تاركا حصانه المريض. وفي 14 يونيو 1799 دخل الجيش الفرنسي المنهك مدينة القاهرة دخول المنتصر وعرض سبعة عشر علما من أعلام الأعداء وستة عشر أسيرا تركيا، كدليل أن الحملة قد حققت نصرا يدعو للفخر• وكان دخولهم القاهرة بعد رحلة شاقة قطعوا فيها 300 في ستة وعشرين يوما.

في 11 يوليو 1799 نزلت 100 سفينة على ساحل خليج أبي قير جيشا تركيا لطرد الفرنسيين من مصر ، فخرج نابليون من القاهرة متجها شمالا على رأس أفضل جنوده وانقض على الجيش التركي فألحق به هزيمة منكرة في 25 يوليو حتى إن كثيرين من الترك فضلوا الاندفاع إلى البحر ليموتوا غرقى بدلا من مواجهة الفرسان الفرنسيين المندفعين بعنف.

– عودة نابليون الى فرنسا

في منتصف شهر يوليو تلقى من حكومة الإدارة أمرا كان قد أرسل له في 26 مايو …… مؤداه أن يعود إلى باريس فورا. فصمم على العودة إلى فرنسا بطريقة ما رغم الحصار البريطاني، ليشق طريقه إلى السلطة، وليعزل القادة المخطئين الذين سمحوا بضياع مكاسبه كلها في إيطاليا بهذه السرعة السريعة.

ونظم نابليون الأمور العسكرية و الإدارية في القاهرة .

عين كليبر المعارض ليكون على رأس ما تبقى من حلم فرنسا ضم مصر إليها، وكانت الخزانة خاوية بالإضافة إلى كونها مدينة بستة ملايين فرنك، فقد كانت هناك متأخرات للجنود وصلت قيمتها إلى أربعة ملايين فرنك، وكان عدد الجنود الفرنسيين يتناقص يوما بعد يوم وكذلك معنوياتهم، بينما أهل البلاد المقاومون يزدادون قوة ويتحينون الفرصة للقيام بثورة أخرى. وكان من الممكن في أي وقت أن ترسل تركيا وبريطانيا العظمى قوات عسكرية إلى مصر يمكنها – بمساعدة أهل البلاد – عاجلا أم آجلا إجبار الفرنسيين على التسليم. وكان نابليون يعلم ذلك كله ولم يكن يستطيع تبرير مغادرته مصر إلا بالقول إنه مطلوب في باريس ولديه أمر بالعودة.

وعندما كان يودع جنوده رفع صوته قائلا:” إذا حالفني الحظ ووصلت إلى فرنسا فلا بد أن ينتهي حكم هؤلاء الثرثارين الحمقى”• ولا بد من إرسال الدعم لهؤلاء الفاتحين المحاصرين. ولم يصل هذا الدعم أبداً (ومما يذكر أن نابليون كان قد وعد – في وقت سابق – أن يقدم لكل جندي من جنوده ستة هكتارات من الأرض بعد أن يعودوا ظافرين إلى بلادهم).

وكانت الفرقاطتان مويرو Muiron وكارير Carre`re قد أفلتتا من الإبادة التي ألحقها الأسطول البريطاني بالأسطول الفرنسي في أبي قير، فأرسل نابليون أمراً بتجهيزهما في محاولة منه للوصول إلى فرنسا. وفي 23 أغسطس سنة 1799 ركب السفينة مويرو Muiron وبسبب الضباب وحسن الحظ أفلتت السفينتان من مراقبة جواسيس نلسون وأسطوله، و لم يستطع نابليون ومن معه التوقف في مالطا لأن البريطانيين المنتصرين كانوا قد استولوا على هذا الموقع الحصين في 9 فبراير. وفي 9 أكتوبر رست السفن إزاء فريجو Fréjus وجدف نابليون ومساعدوه حتى الشاطىء عند سان رافائيل St.Raphae`l والآن إما أن يكون ” القيصر أو لا أحد ”

■ إنتهاء الحملة الفرنسية

عندما ترك نابليون أسطوله في الإسكندريةمتجها إلى القاهرة كان قد أمر نائب الأدميرال [فرنسوا-بول بروى] أن يفرغ كل حمولته من المواد اللازمة للجنود ومن ثم يبحر بأقصى سرعة ممكنة إلى كورفير Corfu التي كان الفرنسيون قد استولوا عليها• كما أمره بضرورة اتخاذ الإجراءات كلها لتجنب تدخل البريطانيين، لكن سوء الاحوال الجوية أخر إبحار بروي Brueys، وفي أثناء فترة التأخير هذه رسا بأسطوله في خليج أبي قير القريب، وهناك في13 يوليو سنة 1798 رآه نيلسون وهاجمه بسرعة• وبدت القوتان البحريتان المتواجهتان متكافئتين: فالقوات البحرية الإنجليزية قوامها 41 سفينة حربية وسفينة بصاريين، والقوات البحرية الفرنسية قوامها 31 سفينة حربية وأربع فرقاطات• لكن البحارة الفرنسيين كان الحنين إلى العودة إلى بلادهم قد ازداد ولم يكونوا متدربين بما فيه الكفاية، أما البحارة البريطانيون فقد كان البحر هو وطنهم الثاني ألفهم وألفوه، والآن فإن تنظيمهم (البريطانيين) الأكثر تفوقا وبراعتهم البحرية وشجاعتهم سادت طوال النهار والليل لأن المعركة الدامية استمرت حتى فجر الأول من أغسطس.

ففي الساعة العاشرة من يوم 13 يوليو انفجرت، سفينة القيادة (التي بها بروى) التي بها 120 بندقية، وقتل كل من كان على متنها تقريبا بمن فيهم اللواء بحري نفسه، وكان يبلغ من العمر خمسة وأربعين عاما• ولم تستطع الهروب سوى سفينتين فرنسيتين، وبلغت خسائر الفرنسيين ما يزيد على 1750 قتيلاً و 1500 جريح، أما خسائر البريطانيين فكانت 812 قتيلاً و276 جريحاً (بمن فيهم نيلسون).

وهذه المعركة (معركة أبوقير البحرية بالإضافة إلى معركة الطرف الاغر (1805) …… هما آخر محاولتين قامت بهما فرنسا النابليونية لتحدي السيادة الإنجليزية على البحار. وعندما وصلت أخبار هذه النكسة الكاسحة إلى نابليون في القاهرة أيقن أن فتحه لمصر غدا بلا معنى.

فالمغامرون المرافقون له قد أحيط بهم الآن برا وبحرا وما من سبيل لوصول العون الفرنسي إليهم، وأنهم سرعان ما سيصبحون تحت رحمة أهل البلاد المعادين، والبيئة غير المواتية.

في معركة أبي قير البحرية وبعد حصار الشواطئ المصرية ، تم تحطيم الأسطول الفرنسي وغرق بمجمله ، فقام الجنرال مينو بعد ذلك بتوقيع إتفاقية التسليم مع الجيش الإنجليزي وخروجهم بكامل عدتهم من مصر على متن السفن الانجليزية.

و كان خروج الفرنسين عام …. 1801

—————————-

ماذا قام الفرنسين طوال تواجدهم في مصر ؟

تم انشاء المطبعة الفرنسية مباشرة و قام 146 من العلماء الفرنسيين بتاسيس مدرستين لتعليم أبنائهم المولودين في مصر على الطراز الاوروبي وانشؤوا مسرحا للتمثيل، ومجمعا علميا مصريا، ومركزا للطب والصيدلة ومستشفى من خمسمئة سرير وخدمة الكرنتينا (الحجر الصحي) ومخبرا كيميائيا ومرصدا فلكيا ومعرضا للرسم وحديقة للحيوانات ومتحفا للتاريخ الطبيعية وسلاح الهندسة وورشات لانتاج المواد الاستهلاكية والصناعات والمعامل والطواحين… وهلم جرا.

وفي يوليو سنة 1799 نظم المعهد العلمي المصري من علماء مصر وعلماء الحملة ….. وكان العلماء هم الذين أعدوا الأربعة والعشرين مجلداً الضخاما التي مولتها ونشرتها الحكومة الفرنسية بعنوان وصف مصر (9081-8281) Description de L`Egypte وأحد هؤلاء العلماء لا نعرف إلا أن اسمه بوشار Bouchard وجد في سنة 9971 في مدينة تبعد عن الاسكندرية ثلاثين ميلا حجر رشيد Rosetta عليه نقوش بلغتين وثلاثة خطوط (الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية) .

كان هدف نابليون من انشاء المعهد المصري يتركز من جانب في آداء رسالة تثقيقية حضارية تمثلت في نشر منجزات العلم والتقنية الأوروبيين بين أبناء الشعب المصري ، ومن جانب آخر، الاستفادة من التراث العربي الاسلامي القروسطي في مجال تطوير العلم الفرنسي.

والجدير بالذكر أن جهود العلماء الفرنسيين في المعهد قد تكللت بالنجاح الكامل في اعماله، و من الاعمال التي قام بها :

– تاليف كتاب محادثة فرنسي عربي

– صناعة تقويم توافقي مصري قبطي أوروبي

– جمع و تحقيق المخطوطات العربية القديمة، ودرسوا دراسة دقيقة التاريخ المصري القديمة والحضارة الفرعوينة والاثنوغرافية والفولوكلور والجغرافية وعلم النبات والحيوان والمعادن وغيرها من حقول العلم والمعرفة.

– كما أنهم توصلوا الى فكرة مشروع شق قناة بين البحر الأبيض والمتوسط والبحر الأحمر.

– وخططوا الملاحة طوال العام في نهر النيل، وانشاء قنوات الري، وتأمين مياه الشرب، والقضاء على الأمراض والأوبئة المتفشية، وزراعة المحاصيل الزراعية الجديدة وغيرها من المشاريع التي وجدت طريقها الى التنفيذ في وقت قصير جدا، كما أعاروا انتباها خاصة لترميم الشوارع وانارتها في كل من القاهرة والإسكندرية، فضلا عن تحسين ظروف العمل والمعيشة فيهما

– وقد ظهرت نتائج دراستهم في 24 مجلدا ضخما من كتاب “وصف مصر”

■ ماهي الانعكاسات التي تركتها تلك الحملة

غالبية الاراء الاجنبية حول الانعكاسات الطويلة الأمد التي تركتها الحملة العسكرية،هي:

1- “لقد زعزع نابليون بيده القوية تلك الأركان التي اعتقد الشرق أنه يقف عليها بأقادم ثابته، كانت الحملة المصرية الشرارة التي ايقظت الشرق من رقاده الطويل. ان هيبة جيوشنا الجبارة وانتصاراتها أثارت انقلابا كبيرا في تفكير الشرقيين”.

2- “قضت انتصارات الفرنسيين على الممالكي، فأظهرت للعرب حقيقة ضعف وخذلان حكامهم المستبدين، ومهدت السبيل لاحياء الأمة العربية وبعثها”.

3- ان التسامح المرن الذي أبداه نابليون ازاء المعتقدات الدينية والقيم الأخلاقية للشعب المحتل (للعرب) حفزه، ولو متأخرا، لاجراء اتصالات واسعة مع أوروبة، وللتوجه نحو الحضارة الغربية ”

اما المؤرخين و المفكرين المصرين، فبعضهم لديهم وجهات نظر مختلفة و من بينها :

1- كانت منجزات العلم والتقنية والمشاريع والتدابير الثقافية الفرنسية بمثابة كشف عظيم دفع المصريين باتجاه التفكير الواعي الهادف.

2- أرست أسس الاتصالات الفرنسية المصرية.

3- مهدت الضربات القاصمة التي تلقاها المماليك تربة صالحة لاستلام الاصلاحي محمد علي زمام السلطة .

4- النهضة المصرية بدأت اثر الحملة البونابرتية (1798-1801) في ظل الحاكم – المصلح محمد علي(1805-1848) – بيد أن تنسيق الأفكار العلمية والآراء المتناثرة في تضاعيف كتابه يتيح لنا الاستنتاج بأن تطلع الشرق المتأخر لاستيعاب الفكر العلمي التقاني الاوربي كان من الحوافز الرئيسية للنهضة المصرية. وأدى بالتالي الى اجراء اصلاحات على الطراز الاوروبي. وان ذلك التطلع والطموح تولدا لدى الشعب المصري اثر احتكاكه بنابليون بونابرت.

—————————-

السؤال الهام ما هي اعمال الحملة الفرنسية التي تركتها في مصر ؟

■ النتائج العلمية

1-إصطحبت الحملة الفرنسية الكثير من العلماء في مختلف المجالات للبحث في البيئة المصرية والشعب المصري والعادات والتقاليد والأثار والمصريات كما أحضروا معهم مطبعتين واحدة فرنسية والأخرى عربية وكذلك المترجمين ، وكانت المحصلة هي كتاب وصف مصر الذي ذكروا فيه باستفاضة كل ما يتعلق بمصر من تاريخ وجغرافيا وتضاريس ، مزوداً بالرسوم البيانية الموضحة في عدة مجلدات كبيرة.

2- فك رموز اللغة المصرية القديمة التي كانت غامضة بالنسبة للعالم على يد العالم الفرنسيشامبليون، بعد اكتشاف حجر رشيد .

■ النتائج السياسية

1- لفتت الحملة الفرنسية على مصر أنظار العالم الغربي لمصر وموقعها الاستراتيجي وخاصة إنجلترا.

2- إثارة الوعي القومي لدى المصريين ولفت إنتباههم إلى وحدة أهداف المحتل على اختلاف مشاربهم.

■ النتائج الإجتماعية

1- تعرف المصريون على الحضارة الغربية بمزاياها ومساوئها

2- عرف المصريون بعض الإنظمة الإدارية عن الفرنسيين ومن بينها سجلات المواليد والوفيات وكذلك نظام المحاكمات الفرنسي .

——————–

لكن السؤال الهام المنطقي الغائب دائما و هو السؤال الذي يجب طرحه و ليس اي سؤال اخر :

ماذا استفادت فرنسا من هذه الحملة، او ماذا حققت ؟!

هذه الحملة الضخمة بكل هذا التجهيزات و السرية و التكتم و ثلاث سنوات ، لم تستفد فرنسا منها اي شيء .

لا يوجد شيء يعود بفائدته لدولة فرنسا التي تعشق المال و النهب حققته هذه الحملة ……. الحملة ذهبت لاجل ان تكتب 24 مجلد لموسوعة مصر و تكتشف حجر رشيد .

من منجزات الحملة تاليف كتاب عن مصر

سخافة lol

24 مجلد كان تستطيع فرنسا كتابته في فرنسا بواسطة علماءها او ارسال عشرة علماء لكتابتها و لا يحتاج الى غزو .

و كانت تستطيع فرنسا ان ترسل علماء للتنقيب عن الاثار لاجل فك نقوش مصر ، و يمكن ان الصدفة ستجعلهم يكتشفون حجر رشيد .

المثل الشعبي يقول : لا يوجد حاج الا و هو طالب مغفرة .

خصوصا و اننا نعتقد بان الحملة قد نجحت و لم تفشل و حققت كل اهدافها ، لان قائد الحملة نابليون تم ترقيته الى منصب كبير جدا فقد تم تتويجه امبراطور على فرنسا 1804 .

—————————

اذن ….علينا قراءة و مطالعة مذكرات الحملة، لنعرف ماذا قامت فرنسا في مصر اثناء الحملة ….. لان حملة ضخمة و 3 سنوات و تخرج فرنسا بهذه السهولة غير منطقية ، لان فرنسا مكثت 130 في الجزائر و المغرب و تونس و لم تطرد الا بالقوة .

لكن عندما نذهب لنفتش حول هذا الامر ، تظهر امامنا احتياطات غريبة مرة اخرى … فعندما نذهب لقراءة مذكرات الجنود الحملة، سنجد بان تم منع كتابة اي مذكرات عن الحملة و رقابة على اي كتاب يتكلم عن الحملة، و عمليات تنقيح جرت على تلك الكتابات

————-

سانقل لكم مقال موجود في الانترنت

( نابليون بونابرت في مصر بعيون ضباط حملته العسكرية الذين حاول إسكاتهم ) وائل جمال الدين بي بي سي – 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.

شهدت الفترة التي أعقبت الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت (1798-1801) شغفا ملحوظا بكتابة تاريخ تلك الفترة القصيرة والمثيرة للجدل، على الصعيدين الفرنسي والمصري، دفع معاصرين لها إلى تسجيل شهادات كتبوها في مذكرات ويوميات حملت صبغة التاريخ والتوثيق للفترة، لكنها انطلقت بدوافع شخصية تجاه قائدهم.

تأثرت تلك الكتابات، لاسيما في النصف الأول من القرن التاسع عشر، بحالة انقسام في الرأي بين شهود العيان من القادة الفرنسيين أنفسهم، بحسب اتجاهاتهم الفكرية ودرجة ولائهم لقائدالحملة بونابرت، فخرجت كتاباتهم متباينة من حيث واقع السرد التاريخي وتفسيره.

جاءت هذه المذكرات، التي كتبها بعض القادة والضباط والجنود البسطاء أحيانا، متوافقة مع أهواء بونابرت الراغب في تعظيم مجده بالتعتيم على إخفاقات عسكرية في مصر، في حين جاءت أخرى فاضحة لوقائع شكلت خطورة على مستقبل القائد الشاب ومجده وانتصاراته السياسية والعسكرية في أوروبا تحت لواء الثورة الفرنسية.

تأثرت الكتابات، لاسيما في النصف الأول من القرن التاسع عشر، بحالة انقسام بين شهود العيان من القادة الفرنسيين انقسامات واتجاهات فكرية

يرصد مؤرخون ثلاثة اتجاهات فكرية سادت المجتمع الفرنسي خلال القرن التاسع عشر، ونهضت بدور في كتابة تاريخ الحملة الفرنسية على مصر عموما، وبونابرت على وجه الخصوص :

– اتجاه انطلق في شخص بونابرت “الإمبراطور”، جعله موضوعا لسرد وقائع حملته، ركز على تمجيده كقائد بارز، متسترا أو مبررا لإخفاقاته أمام المجتمع الفرنسي والرأي العام الأوروبي

– .اتجاه أعقب سقوط حكم بونابرت في عام 1815، وهو اتجاه دعمته الملكية الفرنسية العائدة في أسرة بوربون (1815-1830)، ركز على فضح دعاية بونابرت وتقليل شأنه، واعتبار حملة مصر أولى حملاته الفاشلة وبداية هزائم فرنسا بقيادته.اتجاه وُصف بالقومي، حافظ أنصاره على مكتسبات الثورة الفرنسية كإرث لا يمكن قصره على شخص واحد مهما عظمت مكانته، ركز على اعتبار حملة مصر واحدة من حروب الثورة “المتميزة” لنشر مبادئها خارج الحدود الفرنسية.تحديات “نابليونية”

اتخذت السلطة الفرنسية، المتمثلة في شخص بونابرت وقتها، موقفا شديد العداء تجاه كل ما يُكتب سلبا في مذكرات قادة عسكريين شاركوا في حملته على مصر، وبرزت صرامته في رد فعله تجاه مذكرات الجنرال رينيه، أحد أبرز قادته، والتي نشرها في باريس عام 1802، بعد عام واحد من عودة الجيش إلى فرنسا، تحت عنوان “مصر بعد معركة هيليوبولس”.

كشف رينيه في مذكراته حالة تخبط واضطراب الجيش الفرنسي في مصر، وتكبد بلاده، ممثلة في حكومة “الديركتوار (الإدارة)” وقتها، خسائر بشرية ومادية فادحة، الأمر الذي دفع بونابرت إلى إصدار قرار يحظر تداول مذكرات رينيه وملاحقتها في المكتبات ومصادرة نسخها.

عززت مذكرات رينيه رغبة بونابرت في محاولة التخلص من وثائق وتقارير قد تدينه

أدرك بونابرت مدى خطورة نشر حقائق ومعلومات حساسة عن حملة مصر، وأن ذلك قد يفقده بريقه العسكري والسياسي، لكونها تفتح المجال أمام خصوم يتحينون فرصة الإطاحة به، ومحاسبته على إخفاقه في تحقيق أهداف روج لها، ومن ثم تنحيته عن المشهد الفرنسي.

بيد أن إنجلترا، عدو فرنسا التاريخي، نجحت في الحصول على نسخة من مذكرات رينيه وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية ونشرتها في العام نفسه تحت نفس العنوان، وقدمتها إلى أوروبا بإشادة ناشرها الذي وصف رينيه بحياديته في نقل معلوماته.

عززت مذكرات رينيه رغبة بونابرت في محاولة التخلص من وثائق وتقارير قد تدينه، محفوظة في دور الأرشيف الفرنسية، وتقول مصادر تاريخية إنه أرسل سكرتيره الخاص لوي دو بورين في 17 يونيو/حزيران عام 1802 إلى مسؤول عن دور الأرشيف وطالبه بتسليم كل ما بحوزته من أوراق ووثائق تتعلق بمصر.

ملاحقات وعقوبات

بدأ بونابرت يتعقب كل ما ينشر عنه في سياق حملته المصرية، لاسيما بعد صدور مذكرات أخرى كتبها جندي فرنسي شارك في الحملة يدعى جاك ميو بعنوان “مذكرات تاريخ الحملات على مصر وسوريا خلال السنوات السادسة والسابعة والثامنة للجمهورية الفرنسية”، فضح فيها تردي أوضاع جنود وجيش الحملة، فأمر بونابرت بتشكيل لجنة معنية بمراجعة الكتب قبل نشرها وتنقيح ما يرد فيها، وشمل الإجراء كل ما يُكتب عن حملة مصر تحديدا و حروب الثورة الفرنسية عموما.

اتخذت السلطة الفرنسية المتمثلة في شخص بونابرت موقفا شديد العداء تجاه كل ما يُكتب سلبا في مذكرات قادة عسكريين

ويقول المؤرخ الفرنسي فليكس بونتاي في دراسته “نابليون الأول ونظام السلطة في فرنسا” إن توطيد حكم نابليون “جعله يحكم رقابته على نشر مذكرات رجاله العسكريين الذين شاركوه في حملته على مصر، وأعطى صلاحيات واسعة لمجلس الدولة وصلت إلى حد تحديد عدد نسخ الكتاب وحذف معلومات يعتبرها المجلس غير مناسبة، وأحيانا فرض غرامات مالية على الكاتب أو إصدار قرارات اعتقال ومصادرة ممتلكاته، فالمجلس هو جهة ترعى حماية مصالح فرنسا المتمثلة في دولة الإمبراطور بونابرت”.

أسهم القرار في عزوف عسكريين بالفعل عن كتابة شهادات ومذكرات خشية الإجراءات الجديدة، حتى وإن كانوا من أنصار بونابرت في الجيش، مثل الضابط هوويه، الذي كتب في مقدمة مذكراته بعنوان “حملة مصر: مذكرات ضابط في الجيش الفرنسي”، المحفوظة في دار الوثائق القومية بالقاهرة، أنه كان يخدم في فرقة الجنرال رينيه.

أكد هوويه أن “كتابته لتاريخ العمليات العسكرية في مصر وسوريا هي بمثابة رد على كل من يحاول الإساءة لحملة نابليون في مصر” والاتهامات الموجهة إليه بأنه كبد الجيش والدولة خسائر كبيرة، فجعل هوويه الحملة الفرنسية وقائدها في كتابة مذكراته جزءا أساسيا من التاريخ القومي لفرنسا.

ذكر هوويه تهميش صورة المقاومة المصرية لبونابرت، وصوّر المصريين على أنهم مجتمع “مستسلم بلا إرادة”

حذر هوويه من تقديم صورة “قاتمة ومشوهة” عن حملة مصر وقائدها، لأن هذا الاتجاه “سيؤدي إلى طمس كل النتائج العظيمة والمبهرة التي صنعها جيشنا الباسل”، والتي رأى هوويه أنها “جديرة بالإشادة لتكون محل فخر الأجيال المتعاقبة في فرنسا”.

اتبع هوويه أسلوبا خطابيا أخرج نصا موجها بجدارة للقاريء الفرنسي لتاريخ الحملة على مصر على المستويين الحضاري والعسكري، مستخدما صيغا لغوية ترفع من شأن مؤسسته العسكرية وقائدها.

كما حاول هوويه تهميش صورة المقاومة المصرية لبونابرت، وصوّر المصريين على أنهم مجتمع “مستسلم بلا إرادة”، حتى أنه لم يتحدث عن ثورة القاهرة الأولى ضد بونابرت إلا في جزء من صفحة واحدة، بل حاول التقليل من أهميتها ووصفها نصا بأنها “تمرد عام وانتفاضة شعبية”، على الرغم من أنه يضع لها عنوانا فرعيا في هامش مذكراته باسم “ثورة القاهرة والأقاليم في 22 إلى 26 أكتوبر (1798)”.

جعل هوويه أسباب الثورة مجرد اعتراض مصريين على الإدارة الجديدة للبلاد التي وضعها بونابرت، وألقى باللائمة على المماليك كمحرك لها دفاعا عن مصالحهم الشخصية، لإعلاء مجد قائده أمام القارئ الفرنسي والتعتيم على بعض الإخفاقات.

حرص بونابرت على تقديم تصورات وتفسيرات في مذكراته المعروفة باسم “الميموريال”، والتي أملاها على الكونت لاكاز

“وداعا للمجد”

طاردت حملة مصر بونابرت حتى نفيه في جزيرة سانت هيلانة عام 1815، وهو ما يتضح في حرصه على تقديم تصورات وتفسيرات، بإيجاز أثناء سرد وقائع تاريخ حروبه في مذكراته المعروفة باسم “الميموريال”، والتي أملاها على الكونت لاكاز، وبالتفصيل في مذكرات أخرى أملاها على الجنرال برتران بعنوان “حملات مصر وسوريا 1798-1799 مذكرات تاريخ نابليون كما أملاها بنفسه في سانت هيلانة”، ونُشرت عام 1847.

شهدت ساحة نشر مذكرات العسكريين نشاطا كبيرا بعد سقوط بونابرت عام 1815 وعودة الملكية لفرنسا في أسرة بوربون (1815-1830)، التي استفادت من حالة الاستياء من الرقابة على حركة النشر وتكميم الأفواه، لذا أطلقت الملكية الجديدة العنان لمذكرات ضباط الحملة، المعارضين لبونابرت، وهو ما يتضح من إشارة عرفان كتبها ناشر يدعى موريسو عام 1818 في مقدمة مذكرات بعنوان “مذكرات عن حملة مصر”، كتبها جوزيف ماري مواريه، أحد الضباط المشاركين في الحملة.

يؤكد الناشر في مقدمة مذكرات مواريه أنه “أصبح من الممكن الآن كشف الحقيقة، ولا يوجد سبب للصمت، ولم نعد نخشى سطوة الرقباء”.

أتاح نشر مذكرات مواريه فرصة اغتنمها الضابط لانتقاد بونابرت علنا في أكثر من موضع، لاسيما عند حديثه عن واقعة تسليم سلطة القيادة العامة للجيش لخليفته الجنرال كليبر، وهروب بونابرت سرا إلى فرنسا، إذ لجأ مواريه إلى حيلة المقارنة النصية للمفاضلة بين أبرز قائدين للحملة.

يقول مواريه: “لم يكن بونابرت يعمل إلا لمصلحته الشخصية، ولم يضع أمام عينيه سوى رفعة شأنه. أما الجنرال (كليبر)، الذي لم يفكر في نفسه، لم يكن ينتظر من رفعة إلا ما يستحقه بالفعل دون أن يسعى إلى ذلك. ولو أن الأول (بونابرت) لم ير أملا في إمكانية الاستحواذ على السلطة العليا في وطنه (فرنسا) لبقي في مصر، ليقيم لنفسه دولة مستقلة ثمنها دماؤنا جميعا”.

ويضيف: “إنه (بونابرت) مثل قيصر، يرى من الأفضل أن يكون الرجل الأول في القاهرة، بدلا من الرجل الثاني في باريس”.

اتخذت الملكية الجديدة إجراء مغايرا لموقف بونابرت وإن كان مماثلا له من حيث الهدف، إذ فرضت رقابة أيضا على نشر مذكرات أو كتابات عسكرية تبرز بونابرت بطلا أو تفتح طريقا أمام أنصاره الجمهوريين لرد اعتباره، وهو ما أكده هوويه في مقدمة مذكراته، مشيرا إلى أن الملكية “أجبرت الصحف على الحط من قدر الأمجاد العسكرية لتلك الفترة”.

أتاح نشر مذكرات مواريه فرصة اغتنمها الضابط لانتقاد بونابرت علنا في أكثر من موضعتحولات وضغوط

لم تسلم موسوعة وصف مصر العلمية من الإجراءات الجديدة، إذ يشير العالم شامبليون-فيجاك في دراسته “فورييه ونابليون: مصر ومئة يوم” الصادرة في باريس عام 1844 إلى أن “الرقابة الملكية طالت مجلدات موسوعة (وصف مصر) نفسها وبدأت تراجع كل صغيرة وكبيرة، لا لشيء سوى أنها المشروع الثقافي الضخم الذي يُنسب إلى بونابرت وحملته”، بغية حذف كل ما يشير بوضوح إلى شخص قائدها.

أسرار ومفارقات تحكي قصة كتاب “وصف مصر”

أحكمت سلطة البوربون قبضتها على كتابة مذكرات وشهادات العسكريين الموالين لبونابرت، واتهمتهم بالولاء له ولفترة حكمه، فسادت حالة صمت جديدة في انتظار الفرصة السياسية المواتية لسرد شهادات تتسم باستقلالية الرأي، ربما تصحح المسار، بحسب وجهة نظر كتّابها، بعيدا عن ضغوط أنظمة حاكمة.

ويقول الكولونيل شالبران في مذكراته “الفرنسيون في مصر أو ذكريات حملتي مصر وسوريا”، المنشورة في باريس عام 1855، إن تلك الضغوط “دفعت جيل العسكريين المتقاعدين من الخدمة العسكرية الموالين لبونابرت إلى عقد لقاءات (سرية على الأرجح) لمناقشة كل ما ينشر عن حملتهم ومراجعة ما لديهم من وثائق للشروع في كتابة مذكرات تخدم تصحيح مسار تلك التفسيرات التي اعتبروها شوهت حملتهم وقائدهم”.

ويصف هوويه في مذكراته أن حملة مصر “عانت من تشويه وتزييف الحقائق على مدار 30 عاما من عودة جيش الشرق (جيش الحملة) إلى البلاد”، ويوصم تلك الكتابات بـ “منتج يتسم بالغباء”، في حين وصفها الجنرال بورين، وزير الخارجية في عهد بونابرت، في مذكراته بأنها كتابات “محتالين” أضفوا عليها “الطابع التاريخي”.

أحكمت سلطة البوربون قبضتها على كتابة مذكرات وشهادات العسكريين الموالين لبونابرت إنفراجة أمل

خرج بعض القادة عن صمتهم مغتنمين الاستياء السائد وقتها في المجتمع اعتراضا على الأوضاع التي آلت إليها فرنسا بعد انهيار “إمبراطورية بونابرت”، فضلا عن تأجج الغضب المجتمعي بسبب أساليب القمع التي لجأت إليها الملكية، الأمر الذي أفضى إلى ثورة أطاحت بأسرة البوربون في عام 1830، وفقا للمؤرخ محمد فؤاد شكري في دراسته “الصراع بين البرجوازية والإقطاع 1789-1848”.

لم تفرز الثورة والإطاحة بأسرة البوربون نظاما جمهوريا جديدا، بل يشير شكري في دراسته، إلى أن أوروبا “كانت تخشى من قيام نظام جمهوري حربي في فرنسا على غرار ما أعقب الثورة الفرنسية عام 1789، وكان من البديهي أن تواصل أسرة أورليان الحاكمة الجديدة (1830-1848) نوعا من الرقابة للبقاء في السلطة، فسادت من جديد حالة حذر وحيطة من نشر مذكرات تعلي من شأن بونابرت والنظام الجمهوري”.

مراسلات نابليون تكشف “مشروعه لإنشاء إمبراطورية في دار الإسلام” إنطلاقا من مصر

ويمكن رصد أمثلة مثل شهادة الضابط شارل ريشاردو ومذكراته بعنوان “مذكرات جديدة عن حملة الجيش الفرنسي على مصر وسوريا”، التي باتت تتحين فرصة سقوط الملكية وإعلان الجمهورية الفرنسية الثانية عام 1848، كذلك الجنرال بارون ديفيرنوا، الذي شارك في معظم الحروب الفرنسية وعزوفه عن نشر مذكراته بعنوان “مع بونابرت في إيطاليا ومصر”، بسبب “سخطه على النظام الملكي في فرنسا” كما يشير فيها.

وإن كانت الرقابة على نشر مذكرات العسكريين باختلاف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية قد أسهمت في تفاوت ملامح الصورة عن تلك الفترة وبونابرت خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، فإن حالة انفراجة برزت مع بداية القرن العشرين، وهيأت فرصة نشر وثائق بطريق

 

 

اترك تعليق