2019-01-10T15:02:00-08:00
حسب العمر الزمني يعتبر القران الكريم هو المصدر الثاني تاريخيا الذي يذكر قصة اصحاب الكهف بعد المصادر السريانية . فهناك في القران سورة كاملة باسم الكهف ، و ترد فيها قصة اصحاب الكهف و الرقيم في 17 اية ، من الاية 9 حتى الاية 26 ، من الاية {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا}، و حتى الاية {قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا}.
في البداية لابد من طرح اسئلة هامة .
كيف سنتعامل مع قصة اصحاب الكهف في القران ؟ ، هل سنتعامل معها كنصوص تاريخية ام كنصوص دينية مقدسة؟
منطقيا .. نحن سنتعامل معها ك نص ديني مقدس، نص وجد هكذا لا يحتمل زيادة و لا نقصان. و يحمل سلطة ايمانية قوية تجعلنا نراعي هذه الجوانب .
هل يمكن اعتبار القران من المصادر الاساسية للقصة ؟
نعم
لماذا؟
لو تعاملنا مع جميع نصوص التي تذكر قصة اصحاب الكهف ، فالمصدر الاساسي الاول لقصة اصحاب الكهف هو المصادر السريانية ، و ياتي بعده المصدر الاساسي الثاني و هو القران الكريم، لان قصة اصحاب الكهف في المصادر السريانية لها شكل معين ، بينما قصة اصحاب الكهف في القران لها شكل مختلف تماما .
و قبل نقاش النص علينا ناقش الظروف المحيطة بالنص القراني
، لاننا عندما نحاول فهم النص القراني ، فدائما يعترضنا نص تفسيري اخر يفرض سلطته على النص القراني، و قد ناقشنا في المقال السابق النصوص التفسيرية التي تتحدث عن قصة اصحاب الكهف في التراث الاسلام. لكننا لم نناقش سلطة اخرى تفرض نفسها على النص القراني و هو اسباب النزول .
لان السؤال المنطقي ما معنى ذكر قصة اصحاب الكهف في القران الكريم ، و ما الفائدة من ذكرها ؟ ، فياتينا الجواب المباشر هناك كتب اسباب النزول التي تعطينا الجواب المنطقي .
سننقل لكم بعض اسباب النزول الموجودة في كتب التراث
■ لم تكتفِ قريش بهذا كله بل أرادوا إحراجه عليه الصلاة والسلام بالأسئلة فبعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهما سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله ﷺ ووصفا لهم أمره وأخبراهم ببعض قوله وقالا لهم إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاثة نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طوَّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح وما هي، فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي وإن لم يفعل فهو رجل متقوّل. فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئنا بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء فإن أخبركم عنها فهو نبي وإن لم يفعل فالرجل متقوّل فروا فيه رأيكم.
فجاءوا رسول الله فقالوا: يا محمد أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب، وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وأخبرنا عن الروح وما هي؟.
فقال لهم رسول الله: «أخبركم بما سأَلتم عنه غدا» ولم يستثن، فانصرفوا عنه فمكث رسول الله خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه وحيا ولا يأْتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سأَلناه عنه، فشق على الرسول تأْخير الوحي وما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سأَلوه عنه.
قال المفسرون: إن القوم لما سأَلوا النبي ﷺ عن المسائل الثلاث قال عليه السلام: «أجيبكم عنها غدا» ولم يقل إن شاء الله، فاحتبس الوحي خمسة عشر يوما ثم نزل قوله تعالى: {وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْء إِنّى فَاعِلٌ ذلِكَ غَدا إِلاَّ أَن يَشَآء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبّى لاِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} (الكهف: 23، 24)، والسبب في أنه لا بد من ذكر هذا القول – إن شاء الله – هو أن الإنسان إذا قال سأَفعل الفعل الفلاني غدا لم يبعد أن يموت قبل مجيء الغد ولم يبعد أيضا لو بقي حيا أن يعوقه عن ذلك الفعل شيء من العوائق فإِذا كان لم يقل إن شاء الله صار كاذبا في ذلك الوعد، والكذب منفِّر وذلك لا يليق بالأنبياء عليهم السلام.
وقد أيد هذه الرواية الدكتور ولفنسون الإسرائيلي مدرّس اللغات السامية بالجامعة المصرية ودار العلوم فقال في رسالته (تاريخ اليهود في بلاد العرب) صفحة 98 ما يأتي:
«وينفي بعض المستشرقين صحة هذه القصة الخطيرة دون أن يأتوا بدليل نطمئن إليه، والحق أن من العسير إنكار رواية تاريخية كانت سببا في نزول سورة الكهف والآيات الخاصة بالروح وذي القرنين وعندنا دليل يحملنا على الاعتقاد بأن هذه الرواية من المحتمل أن تكون واقعية، وهي أن في التلمود قصة مشهورة تشبه قصة أهل الكهف ومن هذه القصة أخذ أحبار اليهود الأسئلة التي وجهوها للرسول بواسطة وفد قريش، ويؤيد هذه القصة ما ذهبنا إليه من أنه لم يكن بمكة أحد من اليهود؛ إذ لو وجد منهم في مكة ما أوفد قريش وفدهم إلى المدينة ليسألوا أحبار اليهود عن شأن النبي وإذا وجد منهم أحد فلا بد أن يكون غير عالم».
■ و عن عقبة بن عامر قال: كنت يوما أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت من عنده، فلقيني قوم من أهل الكتاب، فقالوا: نريد أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذن لنا عليه، فدخلت عليه، فأخبرته، فقال: “مالي ومالهم، مالي علم إلا ما علمني الله ” ، ثم قال: “اسكب لي ماء ” ، فتوضأ ثم صلى، قال: فما فرغ حتى عرفت السرور في وجهه، ثم قال: “أدخلهم علي، ومن رأيت من أصحابي ” فدخلوا فقاموا بين يديه، فقال: “إن شئتم سألتم فأخبرتكم عما تجدونه في كتابكم مكتوبا، وإن شئتم أخبرتكم ” ، قالوا: بلى أخبرنا، قال: “جئتم تسألوني عن ذي القرنين، وما تجدونه في كتابكم: كان شابا من الروم، فجاء فبنى مدينة مصر الإسكندرية؛ فلما فرغ جاءه ملك فعلا به في السماء، الخ .
■ و هناك من يقول بان من جاء للرسول ليساله عن الفتية الذين غابوا دهرا هم المشركين من قريش و بعضهم يقول بانهم اهل الكتاب و البعض يقول اليهود .
—————
في مقال سابق ، تحدثنا في موضوع هام متعلق بالقران و يناقش فكرة هل القران نزل دفعة واحدة ام منجم ؟ .. و تحدثنا فيه حول اساس هذه الفكرة و اسبابها و مشكلاتها ، و ما هو الجواب القران القاطع لهذا السؤال ، و قلنا بان القران يتحدث بشكل واضح بان القران نزل دفعة واحدة و مستدلين بايات كثيرة .
و هذا رابط المقال
هل القران الكريم نزل دفعة واحدة ام منجم؟
و هذه النتيجة ربما ستغنينا عن نقاش اسباب النزول التي اوردناها في الاعلى لسورة الكهف و الموجودة في كتب التفاسير . لكن هذا لا يمنع من نقاشها لابراز نقاط وجدناها مهمة في هذه التفسيرات حتى تتضح الصورة بشكل اوسع .
■ اقرا التفسير الاول
السائل هم مشركي قريش، و ارادوا احراج النبي، فقرروا الذهاب للمدينة و التقوا باحبار يهود و طلبوا منهم اسئلة لانهم اهل التوراة لاحراج محمد، فاعطاهم اليهود اسئلة فان اجاب عليها فهو نبي مرسل و ان لم يجيب عنها فهو متقول و عليهم البت بامره، و من بين تلك الاسئلة : عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب. و عاد المشركين لمكة لتبشير الناس بانهم حصلوا على الاسئلة التي ستؤكد هل محمد نبي ام مدعي .
حسب التراث و السيرة التي قسمت زمن القران الى مكي و مدني، فالاية مكية . و هذا سيبعث تساؤل كيف لمشركين يسالوا محمد عن قصة دينية ، المفروض انهم يسالوه في موضوعات مثل الخالق و البعث و الخ .
لكن كاتب الحبكة وجد لها طريق، بان المشركين قاموا بتوصيل الاسئلة فقط، فهم لا يعرفون شيء عن الفتية، بس هناك من اعطاهم الاسئلة حتى يكشفوا امر محمد .
من سيكون هذا ذلك الشخص الذي اعطاهم تلك الاسئلة ؟ ..لان مكة خالية من معتنقي الاديان الاخرى ، اذا فلا بد من القيام برحلة للمدينة ، لانه حسب ما جاء في السيرة ، فالمدينة كانت مساكن يهود و بعدها العودة الى مكة .
السؤال :
لماذا يذهب مشركين لعند اليهود من اجل سؤال النبي؟ ، هل لانهم يعرفون مسبقا بان الدور الذي يدعيه محمد يشبه ما لدى اليهود، هل لان محمد جاء بدين و قران يشبه ما لدى اليهود من التوراة، و عندها سيكون اليهود هم القادرين على احراج محمد ؟
فقام اليهود باعطاء مشركي قريش سؤال عن الفتية .
هنا نطرح سؤال :
كيف يقدم اليهود سؤال عن اصحاب الكهف، و اصحاب الكهف كانوا على دين عيسى ، و لم ترد قصة اصحاب الكهف في كتب اليهود ؟
صاحب الحبكة هذه وقع في غلط، و ربما كان مضطر بجعل السؤال يخرج من عند اليهود لانه لا يوجد نصارى في بيئة المدينة و في مكة .
صاحب الحبكة هذه ، يجعل من اليهود اصحاب الكلمة الفصل . في اثبات صدق محمد من كذبه.
ماذا كان رد محمد على سؤال المشركين ؟
كان رد محمد بان اعطاهم سورة الكهف فقط ، 17 اية و هذا جواب على مشركي قريش .
يعني 17 اية من سورة الكهف كانت جواب محمد الذي تلقاه من جبريل .
هل زاد او نقص ؟
لا
اذا … فما الداعي لتفسير سورة الكهف بحسب كتب التفسير تلك، مادام و ان سبب النزول ذلك ، و كان رد محمد بايات من القران فقط و لم يزيد او ينقص ، و لم يتحدث عن دقيانوس و لا عن مدينة افسس ؟
و السؤال الاهم
ما هي تكملة القصة ؟ ، بمعنى هل اجاب محمد بشكل صحيح و هل عاد المشركين الى المدينة ليعرضون علي اليهود الجواب حتى يتاكدوا من كون جوابه صحيح ام كاذب ؟!
لان القصة تتطلب سفرية ثانية للمدينة، حتى يعرضوا جواب محمد على اليهود ، لان المشركين لا يستطيعوا اعطاء تقييم للجواب فهم مشركين لا يفهموا الجواب ، بينما اليهود يمكن لهم هذا .
لا يوجد تكملة …. القصة اكتفت بهذا الحد.
القصة حققت شيئين اثنين ، الشيء الاول استطاعوا احراج محمد فقط، لان الوحي تاخر 15 يوم ، و الشيء الثاني لم تعطينا جواب مفصل عن اصحاب الكهف . من هولاء الفتية و متى كانوا. اكتفت بان القران نزل بتلك الايات فقط كجواب على تلك الحادثة فقط .
اذا فملخص القصة، استطاع المشركين احراج محمد بتاخر الوحي، و لم يعود يهمهم هل كان الجواب صحيح ام خاطىء .
انا تعمدت تقديم تعليق لمستشرق يهودي حول الموضوع لاهميته و هذا التعليق للمستشرق اصبح ملحق تجده في كتب التفسيرات الحديثة.
اقرا ما قاله المستشرق
المستشرق مهتم جدا بموضوع تفسير الاية، و يصفها قصة خطيرة، و مستغرب من اقوال المستشرقين من انكارهم لهذه القصة لانهم لا يقدمون دليل حتى يطمئن هو و يطمئن الناس .
قصه خطيرة ؟ …… لما هي خطيرة و ما اهميتها، و من هولاء المستشرقين؟!، و هل اصحبوا مقياس و مرجع لصناعة الاطئنان للناس .
المستشرق يحاول ان يعالج الاخطاء في القصة، بل يحاول تاكيدها لسبب نجهله و قد يعلمه هو و يعلمه كاتب القصة هذه ، لما لا .
فهو يعالج خطا ورود السؤال على لسان اليهود، لانه من المفروض ان النصارى اصحاب الملكية الفكرية . بل يحاول المستشرق جعل اساس لها في التلمود و ليس في كتاب العهد القديم، لانه يعلم بان القصة لم ترد في العهد القديم .
بل يعالج المستشرق منطقية الفكرة الاولى للقصة ، بكون مكة خالية من اليهود بينما المدينة ممتلئة باليهود. هل يعقل ان مكة لا يوجد فيها حتى يهودي كي يقوم مشركي قريش بالرحلة .
كيف عرف المستشرق بهذا ؟
لان القصة التي قدمت للمسلم يدركها اي شخص بان مكة الارض الوحيدة في الارض التي كانت خالية من كل الاديان ، كلها اصنام و شرك و لا احد يوجد فيها الا مشركين، بينما مكة يهود .
لنذهب الى السبب الثاني للنزول
السبب الثاني للنزول، تقريبا هو معالجة اخرى للخطا السابق حول اليهود، فهي تفترض ان السائل هم اهل كتاب و لا تحدد نوعيتهم ، اهل كتاب فقط ، بشكل عام ، حتى لا يحدث الخطا السابق .
اهل الكتاب سالوه عن الفتية و عن ذو القرنين ، و الان النبي يعطيهم جواب عن ذو القرنين ، لكن الغريب بان النبي لم يجيب بالقران بل جاوب بجواب الموجود في التاريخ ، اصبح يتكلم مثلنا و لم يعد كلامه قران … فذو القرنين الاسكندر الذي بنى مدينة في مصر و الخ .
لو فتشنا جميع الكتب التي يطلق عليها كتب التراث حول اسباب نزول سورة الكهف ، ستجدها جميعا في نزاع حول هوية السائل، ما بين مشركين و يهود، و بعضها اهل الكتاب، و البعض يقول اليهود بدون وجود للمشركين، و بعضها مشركين صرف بدون وجود يهود او اهل كتاب.
لماذا ؟
ساخبركم السبب
نحن امام نص مرجعي تاسيسي اولي و يحمل سلطة علوية … و هناك من اراد العبث به حتى لا يصل للناس المعنى .
كيف ؟
عندما نتعامل القران، فنحن سنتعامل معها ك نص ديني مقدس ، اي نص وجد هكذا ، و لا يحتمل زيادة و لا نقصان . مرجع اولي خرجت منه نصوص اخرى .
اذا كيف سنتعامل مع هذا النص و كيف سنفهمه؟
ساخبركم بالطريقة ، لكن ساجعلها في الجزء الاخير.
الان علينا الذهاب الى نقاش كل الاسئلة التي طرحت و تدور حول قصة اصحاب الكهف، و كل الاسئلة المتعلقة بها، من حقيقتها و طبيعة مصادرها، و الخ، و من ثم نذهب الى تركيا و الاردن لمعاينة تلك الكهوف.
لكن في الجزء القادم
.
.