قصة المزمار السحري و الشعوب – صناعة الرموز

قصة المزمار السحري و الشعوب - صناعة الرموز

2018-08-25T09:49:00-07:00

رابط المقال

في الصورة …….. تعليق ممثلة امريكية على رئيس امريكا ترامب بعد حديث له و هو يحرك يده و هي منثنية و فمه بوضع ملتوي و يشبه كلام بعض السياسين الامريكين بالمعاقين :

” قلة الاحترام تولد عدم الاحترام و العنف يولد العنف . هذا الميول الغريزي لاهانة الناس عندما تقوم به شخصية عامة و مسؤول ذو نفوذ و صاحب اعلى منصب رفيع في الدولة ، فان اثره سيمتد الى الجميع ، لانه يعطي البقية تصريح لفعل نفس الشيء ”

لكن بالرغم من ان حديثها قد جاء بالتزامن مع حملة اعلامية شهدتها امريكا ضده، و الذي  قد لا يخلو من دوافع سياسية، الا ان كلامها بشكل عام صائب جدا،  فحديثها خلاصتة موجود تقريبا في تراثنا بمقولة ( الناس على دين ملوكهم ).

و  من الطبيعي جدا ان هذه الادراك و الاستشعار الجيد لهذا الشيء،  قد جاء من لسان نجمة من نجوم سينماء هوليوود ميريل ستريب ،  لكونها تعمل في مجال مهمته الاساسية صناعة رموز المجتمع ، فهي تعي جيدا ، لانها في موقع يدرك حقيقة الرموز و دورها في توجيه المجتمعات .

ما هو الرمز ؟

الرمز بشكل عام…….عبارة عن ايقونة مميزة لدى كافة المجتمع او فئة من المجتمع .

هذه الايقونة … قادرة على تحريك الوعي الجمعي بسهولة و يسر، و تستطيع ايضا اعادة انتاج الوعي بسهولة .

كنت قبل فترة في حديث مع صديق في موضوع حول هذا السياق ، و تحدثنا حول ارتباط الثقافة بالسلطة السياسية بالعالم كله ، و في نهاية حديثي  تذكر كتاب و طلب مني ان اقراه لواحد امريكي بعنوان : من يدفع ثمن  الزمار ؟ ، الكتاب يتحدث حول مشروع امريكي كبير في انشاء  مؤسسات ثقافية و فكرية حول العالم و دور تلك المؤسسات في صناعة نخب المجتمع.

البعض لا يستشعر حقيقة ان شعوب العالم كله .. .. في اللاوعي الجمعي …..تنساق وراء الرموز …هي لا تفكر الا من خلال الرموز .

لابد من صناعة رموز في المجتمع و عن طريق تلك الرموز يمكن بسهولة جدا ادارة الوعي الجمعي للمجتمعات و توجيهه الى المكان المناسب الذي يتوافق مع سياسة و امن القوى .

هذه الرموز سوى كانت رموز سياسية و ثقافية و دينية و فنية و رياضية الخ … لان ما سيقوم به الرمز سينعكس على المجتمع بشكل ألي و سريع .

الرمز لا يقتصر فقط على الكائن البشري،  فقد يكون الرمز مكان ايضا و قد يكون دولة او مفهوم ذهني .

■ رمزية الدولة

من تلك الحقيقة السابقة، سنعرف السبب الحقيقي حول تصريحات ترامب و بعض الجمهوريين في الانتخابات الامريكية و حاليا و المعادية للاجئين و المسلمين التي كانت  بشكل غير مسبوق في تاريخ امريكا.

تلك التصريحات ليست موجهة للداخل الامريكي بل هي موجهة للخارج و تحديدا نحو اوروبا، و الغرض الحقيقي منها احراج الداخل الاوروبي و رفع شعبية اليمين المتطرف في اوروبا، كيف ؟.

تخيل …… عندما تقوم اعظم دولة في العالم و الدولة الاولى في العالم الراعية و الممثلة للديمقراطية و حقوق الانسان،  بتبني مثل هكذا خطاب ، فانها بشكل غير مباشر ستعطي تصريح للاخريين بان يتحلوا بالشجاعة لتبني مثل تلك الخطابات و التصريحات ، سيتم كسر الحاجز الذي يمنع احد من تبني هكذا خطابات .

تصريحات ترامب تستهدف الضغط على اوروبا لجعلها تقدم تنازلات.

رمزية الدولة نجد لها مفهوم اخر في العلوم السياسية اسمه … الدولة القدوة.

■ رمزية المكان

ايضا الحقيقة السابقة تجيب على تساؤل صديق حول المسلمين السنة في المنطقة و اسباب مشكلتهم التي اصبحت ظاهرة ملفتة تستحق الدراسة ، و الذي فسرها البعض باختفاء دور مصر في المنطقة . و بالفعل هي اجابة  صائبة ، لكن تفسير الوعي البائس للمسلمين السنة من منطلق تلك الحقيقة سيكون هو رمزية مكة.

لان مكة في قبضة السعودية، و هذا يعني وعي السنة بيد السعودية ، هذا الوعي المتشدد و و المتناقض و المتقلب و الخائف و المستلب انما هو انعكاس طبيعي و حقيقي للسياسة السعودية  التي تحكم قبضتها على مكة .

سياسة متناقضة و تعاني من قلق وجود و مستلبة تعبر عن مصالح خارجية و مستعدة ان تضحي باي شيء مقابل ان تنتصر .

و هذه الرمزية يدرك ال سعود مدى و عمق تاثيرها  على جموع المسلمين في العالم .

و حديث وزير خارجية السعودية الجبير في شهر يونيو عام 2018 لمجلة امريكية ، يلخص تلك الحقيقة ، عندما قال  :

” المملكة العربية السعودية تمتلك قدراً كبيرًا من القوة الناعمة، والتي بإمكانها التأثير على ما يقرب من 2 مليار مسلم حول العالم يتوجهون اليها في اليوم خمس مرات ، و المملكة عندما تغير وتنفتح وتتبنى سياسات الاعتدال والتسامح والابتكار، حينها سيحذو المسلمون حذوها، فلا يوجد بلد لديه مثل هذه القوة الناعمة. ”

انهم يدركون بان اي خطاب يخرج من داخل رمزية مكة فهو خطاب من الله …… فالله يامر المسلمين حسب الرغبة التي تريدها ما دام الخطاب من مكة.

■ الرموز القيادية

هناك نقطة مهمة جدا يجب ان يستوعبها الكثير و  ، و هي رمزية الشخص ، خصوصا عند حديثنا عن شخصية مثل صدام حسين، مهما اختلفنا حول شخصيتة ، هل كانت سلبية ام ايجابية !، لكن يجب ان يعرف الجميع انه كان يمثل رمزية كبيرة في المنطقة شئنا ام ابينا … هذا كان واقع ….حتى لو كان هذا لا يعجب البعض … لكنه واقع … و لذلك فقرار اعدام صدام بتلك الصورة جريمة و كارثة، و لم يكن الاعدام بريء اطلاقا،  بل جاء من وعي خبيث يدرك الاثر الذي سيتركة اعدامه بتلك الصورة،  و بذلك الطابع الديني ليفتح المنطقة نحو وعي جديد … متشنج طائفي. لانك انت الان تعدم رمز امام جمهوره … و اعدام الرمز سيوجه جمهوره نحو من اعدموه .

تخيل ماذا لو قامت امريكا بقتله و التنكيل به ،فهل تعتقد ان الوعي الجمعي في المنطقة سيصبح كما نراه اليوم ؟!

اطلاقا … بل كان سيتحول الوعي لمواجهة شاملة ضد امريكا.

لكن البعض لا يستوعب هذا النقطة، و لا يستوعب بان امريكا تدرك ذلك الامر جيدا …. و تدرك بان من مصلحتها اعدامه على يد قوة داخلية لصناعة الفتنة ، لذلك فان امريكا و بدون شك ، هي من امرت بجعل نهاية صدام بتلك الطريقة و بشكل متعمد،  لتدمير الوعي الجمعي، و صناعة الانقسام الداخلي و جعل المعركة داخلية، و تحويل العدو الحقيقي للمجتمع و هو امريكا الى عدو داخلي .

نفس الامر ينطبق على القذافي الذي كان يمثل رمزية مهما اختلفنا حول شخصية القذافي سلبا او ايجابا … فالناتو هو من قام بقتله لكنه جعل قصة قتل القذافي   على  يد الليبين و بتلك الطريقة الوحشية، لصناعة التوحش داخل المجتمع و جعل  الاقتتال داخليا بين الليبين و تحويل العدو في ليبيا من العدو الخارجي الى عدو داخلي  .

………

ذكرت لصديقي اثناء حديثنا عن مجموعة من كتاب الادب في اليمن، كانت تقام لهم دورات تدريب و تاهيل للكتابة الادبية و كتابة السيناريوهات في الامارات ، و اعتقد كان من بينهم شخص  يكتب روايات تتناول موضوعات تستفز اخلاق المجتمع  و تثير موجات من السخط،  فعلق صديقي بان هناك ايضا مؤسسة فرنسية مقرها لبنان تقوم بنفس النشاط ، كدليل على ان هناك مشروع فكري واحد.

………..

■ الرموز المعنوية

مجمع الخالدون في فرنسا ، هذا التقليد الموجود في فرنسا يعتبر من اعلى رمزيات الثقافية و العلمية و الادبية في فرنسا ، و هذا المجمع يضم اسم كل فرنسي كان له بصمة ثقافية و علمية و فكرية ، من امثال فيكتور هوجو … و مؤخرا بدات فرنسا تدخل أسماء عربية للمجمع ، مثل أمين معلوف و اخريين.

 

هذا التقليد الفرنسي وظيفته الاساسية التي وجد من اجلها هو صناعة رموز معنوية للمجتمعات ليصبح كاعلى وسام فخري يمكن ان يتقلده الشخص او يسعى اي شخص للحصول عليه ، لتكون الرمزية التي يتم منحها لكل الشخصيات التي تسير وفق التوجه الذي تسير عليه السلطة الحاكمة السياسية ، لتكون المكان الذي ينتج اعلى رموز المجتمع .

و هنا تاتي قيمة الجوائز الدولية في كل المجالات الحياة، القيمة ليست في المبالغ المالية التي تمنح ، بل في قيمتها المعنوية …..و اكبرها عالميا جائزة نوبل و جائزة الاوسكار.

فكل من يحصل على جائزة نوبل مثلا، فانه يستطيع بعدها ان يتكلم لينصت له الجميع باستسلام .

صانعو الجوائز لا يهتمون ابدا بمقدار الاموال التي تصرف لانشاء تلك الجوائز ، لان اهتمامهم منصب اساسا في صناعة رموز المجتمع  وفق توجهاتهم و سياستهم ، و من هذه النقطة تدرك الاسباب الحقيقية وراء اهتمام دول الخليج في صناعة عدة جوائز دولية  و عالمية ، من جائزة دبي الى جائزة قطر الى جائزة الملك فيصل ، و اسباب احتفاليتهم الكبيرة و الاسباب وراء تركيزها على شخصيات من توجهات فكرية معينة ، او تركيزها على شخصيات من دول معينة في المنطقة .

انها عملية صناعة رموز المجتمع ، و لدينا افضل نموذج  يوضح تلك الحقيقة ، ب توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، فبعد حصولها على الجائزة اصبحت صفحتها في الفيسبوك مزدحمة بالمتابعين ليس لسبب الا لانها حصلت على نوبل كاول امراة في المنطقة .  

■ الرموز الدينية و السياسية و النضالية و الفنية و السينمائية و الحقوقية …. الخ

هل شاهدتم العدد الكبير من الرموز السياسية التي ظهرت خلال ما يطلق عليه ( الربيع العربي )؟

هل تشاهدون العدد الكبير من شيوخ الدين الذين يظهرون بشكل متواصل على القنوات الاعلامية ؟

هل شاهدتم كم عدد نجوم الفن و الغناء الذين دخلوا عالم السياسة بعد ما يطلق عليه الربيع العربي ؟

————–

ربما ان الكتاب الذي نصحني صديقي بقراءته ، قد استقى الكاتب عنوانه من قصة من تراث احدى البلدان التي تدور حول صاحب الناي السحري ، الذي كان يعزف الناي و يسحر سكان القرية بصوت الناي و يجعلهم يمشون خلفه و يقودهم الى اي مكان.

انه عالم صناعة الرموز التي تعزف للجماهير و تقودهم الى اي مكان …… صناعة الزمار .

الان …تخيل معي :

– ماذا لو كان الرمز و بكل ذلك اللمعان لكنه يحمل توجه فاسد و منطق خاطىء ، كيف سيصبح عندها وعي المجتمع؟! 

سيكون المجتمع نموذج طبق الاصل من الرمز بسلوكه و تفكيره و اخلاقه و منطقه.

– بل تخيل ماذا لو كانت كل الرموز في المجتمع قد صنعت من قبل منظومة قوى واحدة و متفقة على توجه سياسي في، من الطبيعي انها ستقود المجتمع بسهولة الى اي مكان و لن يستطيع الشعب ان يخرج من سحر تلك الرموز المسيطر على  وعيه .

و رموز ما يطلق عليه زورا “الربيع العربي” و السحر الذي قاموا به على الجماهير… مثال حي على ذلك .

هل المسيخ الدجال في التراث الديني ، عبارة عن قصة هدفها تربوي تعليمي لتقريب حقيقة كيف ان الرموز تسحر الجماهير و تجعلها تذهب الى الهلاك و هي تعتقد انها ذاهبة الى الجنة ؟!

.

.

.

 

 

اترك تعليق