ليلة نصف شعبان في مدينة إب – الشعبانية

ليلة نصف شعبان في مدينة إب - الشعبانية

2016-05-21T15:04:00-07:00

رابط المقال

ليلة نصف شعبان تحضى بمكانة كبيرة لدى

سكان مدينة إب ، تصل الى الاحتفالية الكبيرة الممزوجة بطابع ديني، و ان كانت

الاحتفالية تطغى اكثر على الطابع الديني .

 بشكل عام ….ليلة نصف شعبان لها مكانة لدى

اليمنين في كل مكان في اليمن ، لكن مدينة اب تتميز عن باقي مدن اليمنية بطقوس خاصة في

هذه الليلة ، و بسبب ذلك الاختلاف اصبح الكثير من سكان مدينة يتسألون عن السر وراء

تلك الطقوس و العادات و اصلها.

ليلة الشعبانية ( ليلة نصف شعبان) في

إب

قبل الليلة يستعد منازل مدينة اب لهذه

الليلة ، بعمل الكعك و الذمول(نوع من المعجنات) و الرزنة( نوع من المعجنات) و

الطنفاش( الفشار)، و اعداد وجبة العصيد لاكلها ليلا . و شراء الحلوي و المشروبات و

الشمع و الفوانيس و الثياب الجديدة للاطفال، و كان قديما تقوم الاسر بنفسها بصناعة

القناديل (عبارة عن قطعة من قماش تلف على شكل قلم طويل  و تغمس بالزيت و اللبان المحروق ).

لن ابالغ اذا قلت ان الفرحة بليلة

النصف بشعبان كانت اعظم من فرحة الاعياد الاخرى ، ربما لتفردها بخصوصيات جميلة ، و

لكثيرة الطقوس التي يمارسها الناس لاجل اتمام ليلة الشعبانية ، فهي ليست مثل باقي

الاعياد التي تقتصر على زيارة الاهل فقط.

بعد غروب شمس ليلة النصف من شعبان ، تكون

المنازل قد اعدت اكياس صغيرة ممتلىء بالطنفاش(الفشار) و بداخلها شكلت و مليم(

حلويات) و شمعة و  كعكة ، و ثلاجات فيها

مشروبات، تلك الاكياس توزع على اطفال الحارات الذين ياتون لزيارة البيوت للتمسية

بليلة الشعبانية و يقدمون لهم مشروبات. اما اهل المنزل فيجتمعون و يتناولون

المعجنات و العصيد ( اكل العصيد عادة قديمة) ، و اما الاطفال فليبسون الملابس الجديدة

.

لكن قبل خروج الجميع من المنزل اذا لم

يتاخر الوقت ، فهم ينتظرون ايقونة الليلة و هو جمل الشعبانية ( مجسم خشبي كبير مغطى

بالقماش ، و معتنى به جيدا ، و بداخله ثلاثة اشخاص يقومون بحملة)، و عند حضور

الجمل ، و يكون بصحبة سائس الجمل ، يقومون بفتح المسجلة على صوت ينشد تمسية شعبان

( لا اعرف ماذا تقول لكن اتمنى ان اعرف كلمات تلك التمسية) ثم بعدها يقوم الجمل

بالرقص على وقع الطبول و الاطفال و سكان المنازل يتجمعون حوله و هو يرقص رقصات

متناغمة مع الطبول و الليلة  ، و يقوم سكان

المنازل باخذ اطفالهم و وضعهم فوق الجمل اثناء الرقص ، و الخوف و البكاء دائما ما يصاحب

الاطفال عند قدوم الجمل المخيف ، و بالخصوص البنات ، فجمل الشعبانية يمثل رعب

للبنات اكثر من الاولاد ، و لم يكن هناك جمل واحد ، بل عدة جمال يصنعها اشخاص

عديدون ، و كان هناك الجمل الكبير و الجمل الصغير، فالجمل الكبير هم خاص بالاسر

التي توارثت هذا العمل ، و الجمل الصغير يقوم بتصميمة اطفال الحارات بامكانيتهم

المحدودة،  و اذا تاخر قدوم الجمل ، يخرج الجميع

لزيارة الاهل بصحبة الاطفال و هم يحملون الشموع و القناديل و الفوانيس ، و يذهب

الاطفال ايضا لمنازل الحارات و يدقون على ابوابها و هم يحملون الشموع و القناديل و

الفوانيس، يمسون عليهم بليلة شعبانية و هم يرددون اغاني الليلة التي تقول :

ألا مساء ……ليليه يا

ليلــــــــــيه. ألا مساء……..ليلة الشعبانيه

ألا مساء…….جوك امسي عندكم . ألا مساء ……زوجوني بنتك

ألا مساء….. جوك امسي من يريم . ألا مساء….. بالغراره والشريم

ألا مساء….. جوك امسي من عدن . الا مساء ……طرشوني باللبن

……

……

……

……

أعلى النموذج

يحصل الاطفال على اكياس مليئة بالفشار

و الكعك و الحلوى و الشمع و نقود ( حق الشعبانية) و يشربون المشروبات .

اما المساجد ، فتمتلىء بالذكر و

التهاليل و رائحة البخور و ماء الورد ، و بعض الاسر تقيم موالد ذكر في منازلها.  

هذا تقريبا شكل الطقوس في مدينة اب ، التي

عرفها الجيل الحديث نسبيا ، و هناك عادات اخرى كانت قديما و قد اختفت .

ما اصل ليلة نصف شعبان بشكل عام ، و ما

قصة ذلك المجسم الخشبي الجمل و تلك الطقوس في مدينة إب ؟

ليلة نصف شعبان احتفال ، و يؤكد انها

احتفال شكل الطقوس في مدينة اب و تشترك معها مدينة الحديدة و التي تسمى عندهم (

البهجة ) ، و من التمسية يدل على انها مناسبة فيها ابتهاج اكثر من طقس ديني ، ايضا

مفردات الاهازيج و الاغاني المصاحبة لهذه الليلة ، و التي تبدا بكلمة ( الا ) و

هذه الكلمة مشهورة في اغاني الابتهاج لدى سكان المناطق الوسطى ، و التي تكثر في

المهاجل و الافراح ، على حسب تفسير الباحث نزار عبده غانم حول تفسيرة لتلك الكلمة

التي تكثر في الاغاني و المهاجل ، و يعزوها انها لا تقال الا في الاغاني التي فيها

الابتهاج و الفرح.

هل ليلة نصف شعبان طقس اسلامي ؟

ليلة نصف شعبان ليست حكرا على المسلمين

، ليلة نصف شعبان طقس يوجد في شعوب اخرى غير مسلمة ، لذلك فهو طقس اقدم من الاسلام

، لكنه صبغ بصبغة دينية اسلامية فاعتقد الجميع انه طقس اسلامي .

فالصين تحتفل بعيد يسمى عيد القمر ، و

يكون الاحتفال لديهم في منتصف الشهر الثامن من التقويم القمري ، و الشهر الثامن في

التقويم الهجري هو شعبان ، و يعتبره الصينين عيد قومي ،  توزع الاسر  الكعك و المعجنات و الحلوى للاطفال في  هذا العيد و يحرق البخور في المعابد ، و يحملون

التنين الصيني ، و تكون الكعك على شكل القمر ، و يشتري الاطفال دمية لعروسة ، و

يشعلون الشموع ، و في الشوارع يحمل بعض الاشخاص  مجسم للتنين . تقريبا يمثل التنين و العروسة و

القمر اهم رموز العيد في الصين ، حيث تحكي الاسطورة الصينية تقريبا قصة حول امراه

طلبت مقابل الزواج بها عمل اشياء خارقة ، فقام رجل بتغير الطقس و المناخ و اخذها

الى القمر .

في احدى مناطق دولة المغرب ، في ليلة

نصف شعبان ، ياخذون بنت و يلبسونها ملابس معينة و تصبغ بلون احمر و تركب فوق دابة

و خلفها تدق الطبول و يتوجهون بها الى نهر ، و حين تصل تقوم بغسل نفسها و محو

الصبغة من على جسمها.

اما في تونس و ليبيا فاخبرني بعض

الاصدقاء هناك ، بانهم كانوا يعدون وجبة العصيد في تلك الليلة.

لنذهب الى الاسلام و نبحث عن فضل ليلة

نصف شعبان .

في الدين الاسلامي هناك احاديث تنسب عن

فضل ليلة الشعبانية و يقال بان في ليلة نصف شعبان تسقط اوراق البشر و تقسم الارزاق

، و هناك احاديث تتحدث بان الله ينزل في هذه الليلة و يغفر للجميع .

و هناك ادعية يشتهر ذكرها في هذه

الليلة ، كثير من تلك الادعية تدعو الله  الرزق و الخير و العفو.

من يدقق في تلك الامثلة السابقة سوى

كانت في مدينة اب او الصين او المغرب او تونس ، سيلاحظ تشابه في اشياء ، و هي الكعك

و العروسة و الحيوان و القمر، و تمثل تلك الاشياء اهم رموز ذلك العيد سوى كانت لدى

المسلمين او غيرهم .

ما اصل هذا العيد ؟

من وجهة نظري استطيع ان اقول بان

اصل هذا العيد هو عيد الحصاد لدى الشعوب قديما ، و لم يكن من اصل اسلامي اتى بعد

قدوم الاسلام، لكنه صبغ بصبغ دينية فحضى بمكانة مقدسة ، هي نفسها المكانة المقدسة

التي كانت لدى شعوب المنطقة قبل دخول الاسلام ، اذن فهو طقس محلي صرف، حتى وان قيل

فيه احاديث دينية في الاسلام.

الكعك و العصيد و المعجنات ، من

نتاج الحصاد ،  هو  الخير و الرزق ، هو الحمد و الشكر على المحصول ،

هو دعاء المسلم لله بالرزق و الخير و العفو دائما ، هو تقسيم الارزاق للناس كما

تقول النصوص الدينية في الاسلام، هو ، و الذي يوزع للناس في مشهد احتفالي كبير

شكرا و حمد على محصول هذه السنة، هو الاحتفال بمحصول هذه السنة الوفير و الجيد .  

لكن كيف يمكن القول بانه عيد

الحصاد و نحن نعلم بان الزراعة مرتبطة بالشهور الشمسية و ليست القمرية ؟

الكثير لا يدرك بانه قديما، كانت

الشهور القمرية متوافقة مع الشهور الشمسية ، فقد كان القدماء يقومون باضافة شهر كل

ثلاث سنوات لتغطية الفارق بين السنة الشمسية و القمرية ، و بهذا كان دائما يكون

الشهر الشمسي يتوافق مع الشهر القمري دائما ،و من منطلق هذه الحقيقة فان شهر شعبان

لابد ان يأتي في موسم الحصاد دائما، و لكن لان الاسلام جاء و ابطل الشهر الثالث

عشر و هو شهر النسيء، لذلك فان شهر شعبان لم يعد ياتي في موسم الحصاد دائما،  كباقي الاشهر القمرية الاخرى ، فمرة ياتي رمضان

في موسم امطار و مرة ياتي في موسم البرد و مرة ياتي في الربيع و هكذا.

اذن فشهر شعبان كان يأتي قديما

في موسم الحصاد المرتبط بالشهور الشمسية ، يعني اذا كان موسم الحصاد في شهر اكتوبر

، فشهر شعبان دائما ياتي في هذا الشهر .

ما الفائدة من تلاقي الشهر

الشمسي بالشهر القمري ، ما الفائدة لو قلنا بان الشهر القمري الذي سوف ياتي في

موسم الحصاد سيكون شهر شعبان ، مادام و ان الشهور القمرية لا يمكن التفريق بينها ؟

نحن نعلم بان الشهر الشمسي يمكن

معرفته تقريبا و بسهولة ، من خلال النجوم فعند دخول نجم نعرف بانه شهر شمسي معين ،

و ايضا لانه يرافق الشهور الشمسية تغيرات طبيعية معروفة ، فموسم الامطار لدينا

ياتي بغزارة في شهور معينة مثل اغسطس و يوليو و غيرها ، و الطقس البارد ياتي في

نهاية السنة و هكذا ، يعني اذا لم تكن تعرف التقويم ، فانت تستطيع معرفة الشهر من

خلال النجوم في السماء او من خلال التغيرات الطبيعية التي تحدث او من خلال وسائل

اخرى .

لكن ماذا عن الشهر القمري ، هل يمكن

التفريق بين شهر و اخر؟

طبعا الشهر القمري لا يمكن

التفريق بينه و بين شهر قمري اخر ، كلها متشابة ، و لا توجد علامة يمكن من خلالها

ربطها بتسمية لشهر قمري معين ، الا في حالة واحدة فقط ، و هي في الحالة التي يكون

فيها القمر في اقرب نقطة الى الارض ، حيث يبدو القمر بشكل كبير جدا و كانه يهبط

على الارض ، و اعتقد بانه في هذه الحالة كان هو شهر شعبان و الذي يأتي في موسم

الحصاد ، خصوصا و نحن نعلم بان تراثنا الغنائي الشعبي يتغنى بشهر شعبان و يصف

الجمال و وجه الحبيب بقمر شعبان لكبر حجمة و جمالة ، و تخبرنا االنصوص الدينية

ايضا باحاديث حول نزول الله الى اقرب مكان في السماء و كانها حالة لوصف القمر و هو

يكون كانه قريب من سطح الارض و يلامس الارض .

و لهذا فاني اعتقد بان القدماء

اختاروا تلك الظاهرة و التي يكون القمر عندها في اقرب نقطة للارض ،  و يبدو فيها القمر كبيرا و كانه يلامس الارض ، و

جعلوها تاتي دائما في موسم الحصاد ، شهر شعبان لدينا الان . و هذا الامر الان لم

يعد كما كان في السابق ، بعد ابطال الحساب القديم في الشهور القمرية . فشهر شعبان

الان لا يأتي مع تلك الظاهرة .

ماهو تفسير حيوان الجمل و الرغبة

في الزواج المصاحب في هذا العيد في مدينة اب ؟

بالنظر الى عيد القمر في الصين و

مشاهد الاحتفال في المغرب و مدينة إب ، نلاحظ تكرر ذكر العروسة ، فالصينين يصنعون

دمى على شكل عروسة و تتحدث الاسطورة الصينية عن قصة امراه تشترط بزواجها تنفيذ

مهام معينة و بالاخير تسافر الى القمر ، و في المغرب تلبس بنت ملابس معينة و تطلى

نفسها بصبغة حمراء و تركب فوق دابة و تذهب تغتسل من النهر ، و في مدينة إب و غيرها

من قرى اب يصاحب الاغاني التي تقال  في هذا

العيد ، الحديث عن رغبة في الزواج ، و خوف و صراخ البنات من صعود فوق ظهر الجمل ، و

كان العادة بضروره كل بنت تصعد فوق الجمل بخلاف الولد .

الحقيقة ….كاننا امام طقس جنائزي

قديم جدا ، هذا الطقس الذي يأتي بعد الحصاد و الخير ، حيث يتم تقديم قربان للاله شكرا له على الرزق و الخير الوفير لهذه السنة .

هناك نصوص دينية تتحدث عن تساقط اوراق الناس في هذا اليوم ، و كانه في هذا اليوم تقام قرعة على الجميع ، ثم الاختيار الورقة التي عليها اسم من يتم تقديم القربان منه ، و اما نوع القربان فكان هو البنت ، في طقس يشبه الطقس لدى المصريين القدماء عروسة النيل ، فالبنت هي العروسة التي ستتزوج القمر ، هي الاضحية التي تقدم للقمر شكر له على الخير في كل سنة ، و يفسر تلك الصبغة الحمراء ( لون الدم ) التي تصبع بها البنت في دولة المغرب، هي العروسة التي تركب فوق ظهر الدابة و يضرب لها الطبول و يسير خلفها الاطفال يحملون الشموع و القناديل المصنوعة من البخور و اللبان في مشهد جنائزي لتقديمها كعروسة للقمر.

 بقلم : مدحت محمد

 

 

اترك تعليق