2016-04-23T10:18:00-07:00
المؤامرة، هذا الكلمة ، هي لب الصراع الفكري الذي يجري الان في المنطقة كلها ، و هي السبب وراء هذا الجدل الفكري ، بين من يؤمن بالمؤامرة و بين من يرفض المؤامرة. هي الكلمة التي تشكل هاجس يلاحق موضه جيل العلمانين الجدد في اليمن و المنطقة تقريبا، ليس لذاتها ، و لكن لانها المفردة التي تذكر العلمانين الجديد بالخطاب الاسلامي القديم الذي ملىء عقول الكثير ، و خلق عقده لديهم ، فجعلت الوعي لديهم لا يستطيع استساغة هذه المفردة ، انتجت حالة من الشعور سببت صعوبة في التفكير بل عجز حتى عن مجرد طرح الامر فوق طاولة البحث و التفكير.ارى ان مدعي العلمانية و الليبرالية الجدد في المنطقة (الزومبيات) ، تشكل وعيهم و نظرتهم للاشياء من حولهم ، بناء على رد فعل فقط للخطاب الاسلامي ، فهم النسخة المطابقة للاسلامين لكن المختلف ، هم قانون نيوتن الثالث لكل فعل رد فعل مشابه له بالمقدار و مختلف معه بالاتجاه ، فلم يتشكل وعيهم و نظرتهم للاشياء بناء عن تفاعل بين قوانين الواقع و الفكر ، و لم يكن وعيهم نتيجة احتياج يتطلبه الفكر مع الواقع المتغير ، هو وعي نتيجة رد فعل فقط، و اسقاط خطاب من نصوص فكرية و اعتبارها الخلاص بدون حتى مجرد المراجعة ، اسقاط فقط كحال الاسلامين المقيدين بنصوص و يتجاهلون الواقع المتغير المختلف عن النص ،لذلك فان طرق و وسائل التفكير لدى النيوعلمانين يشابه طرق و وسائل التفكير لدى الاسلامين ، و الاعاقات الذهنية و النفسية لدى النيو علمانين موجودة لدى الاسلامين ايضا.هل هناك مؤامرة ؟يعجز العلماني عن طرح اجابات منطقية عن هذا السؤال ،هذا اذا لم يسخر من هذا السؤال كالمعتاد، لسببين اثنين ، السبب الاول طريقة التفكير التقليدية و السبب الثاني نفسي(عاطفي) .1- طريقة التفكير التقليدية. هناك فرق بين التفكير العادي و التفكير الصوري ، التفكير الصوري مرحلة متقدمة من مراحل التفكير لدى الانسان، يختلف عن عملية التفكير العادي الذي يعتمد على اللغة .كيف يمكن صعود الجبل ؟في احدى محاضرات العالم هنري بوانكاريه بعنوان ( ماهو الاختراع الرياضي ) ، تحدث بونكارية عن الحاجة الملحة الى التفكير من خلال الصور ، كان العالم بوانكارية يقصد تلك الصور الحسية التي كانت تتوهج في عقله و التي جعلته يشعر بوجود البراهين الرياضية مجسدة امامة و في داخل عقلة ، تومض و تختفي ، هذه الصور التي تحدث بونكارية عنها و عزا اليها السبب في صياغة الكثير من نظرياته و مبرهانته الرياضية .”ادراك الكل الخاص بموضوع معين في لمحة واحدة” هذه هي الجملة التي تحدث فيها عالم الرياضيات هنري بوانكارية في تعريفه للتفكير الصوري ، و كأن بوانكارية كان يتحدث عن جاليليو و هو يطلب ممن ينكرون دوران الارض حول الشمس بالقاء نظرة من خلال تلسكوبه على اقمار المشتري للتاكد من صدق ما يقولة ، لمحة واحدة من التلسكوب تغنيكم عن الاحتكام للنصوص . لقد كان اينتشاين ايضا مهتم كثيرا بطرق التفكير و تبسيط العلوم. كان اينشتاين يفكر بنفس طريقة تفكير بوانكارية و يدرك التفكير بواسطة الصور و اهميته في فهم الاشياء، فقد تحدث اينشتاين يوما عن الاسباب التي تقود الناس نحو الفن و العلم و هي الابتعاد عن الحياة العادية بخشونتها و وحشتها ، مشبها هولاء الناس بسكان المدن الذين يذهبون الى قمة الجبال العالية حيث الهواء النقي و تصبح اعينهم متحركة بحرية في كل الفضاء الواسع ، بنظرة واسعة واحدة يصبح كل شيء موجود امام اعينهم .في احد الايام عرض احد العلماء الشباب ورقة الى اينشتاين ليبدي رايه فيها ، و يتحدث الشاب الذي كان يعمل مدرس في احدى الجامعات عن ضرورة تدريس نظرية المعرفة و تاريخ العلم و فلسفة العلم لطلاب قسم الفيزياء ، و كان اينشتاين متفق مع ورقة الشاب و تحدث اينشتاين في رده على الشاب عن دهشته من العلماء اكثر ، بعدم وجود تكفير رصين لديهم، مشبههم بشخص راي اشجار متفرقة لكنه لم يرى غابة يوما . كان اينشتاين يتحدث عن النظرة من فوق الجبل. انا الان لن اتحدث عن المؤامرة ، ساحاول الخروج من هذه المفردة في الاجابة على السؤال السابق ، و ساستبدل كلمة المؤامرة بكلمة اخرى اسمها المصالح المنظمة .لكن قبل الاجابة عن هذا السؤال ، ساطرح زاوية اخرى للتفكير و هي عملية مقارنة بين الفرد و القوى ( مهما كانت تلك القوى ) .الكثير من النيوعلمانيين يعجزون عن فهم معنى كلمة القوى ، لانهم يقيسون مفهوم القوى بقوة الفرد العادية ، لصعوبة استيعاب المفاهيم المجردة ، لاني اتحدث عن القوى كمفهوم تجريدي، و القوى هي شبكة من المصالح المترابطة ( فكرية ، اقتصادية ، اعلامية ، سياسية ، اجتماعية ، عسكرية ، مالية ، …) و التي تسير في مسار واحد لتحقيق فائدة ما ، هذه الشبكة هي ما اقصده بمفهوم القوى. هذه الشبكة من المصالح المترابطة ( القوى) ستقف ضد أي شبكة مصالح اخرى ( قوى اخرى) لا تسير في خط سيرها و اهدافها.عند قيامنا بعملية مقارنة بين قدرات الفرد و بين قدرات القوى ، ستجعلنا نصل الى الشعور بعجز شديد للفرد امام القوى ، سينتفي الفرد لصالح القوى ، كما ينتفي الانسان ، عند عملية المقارنة بينه و بين الله. ، الفرد محدود جدا في وعيه و في علاقاته و في خبراته و في علمة و في دخله المالي و في ادارة حياته و في ذاكرته و في تاثيره، بينما القوى تملك الوعي الكلي، و المال الضخم و مراكز الابحاث و الجامعات و الخبرات و الذاكرة المستمرة ( المشاريع الاستراتيجية ) و الجيوش و الاعلام و العلاقات و الاجهزة التي تمنحها القوة في اكتشاف الاخطاء و المعالجات و التنفيذ الخ ، و تستطيع تلك القوى ان تدير الاشياء بسهولة و بسرعة جدا ، بقرار واحد تستطيع تلك القوى ان تحدث تغير هائل بسهولة و يسر بعد ان تحشد كل ادواتها الهائلة في التغيير.كما قلنا فان هذه القوى (قوى سياسية او اقتصادية او اعلامية او مالية الخ )، عندما تتشابك مصالحها بينها البين فانها تشكل قوة منظمة مطلقة، تعمل لتحافظ على مصالحها المشتركة ، و تحدث تاثير واسع و كبير ، انها وعي كلي لا يقارن بوعي الفرد المحدود ، سلطة كلية فوق امكانيات الفرد . فصعوبة استيعاب تلك المقارنة ، تجعل النيو علماني يعجز عن فهم دور القوى في رسم الملامح السياسيه و الاعلامية و الاقتصادية و الثقافية الخ … حولنا، و تجعله يعجز عن فهم تاثير تلك القوى عند تحركها لتحقيق مصالحها، عمل هائل و تاثير شامل ، عمل منظم و مرتب لاجل تحقيق مصالح تلك القوى.اصعدوا الى قمة الجبل كي تستطيعوا مشاهدة الغابة التي تحدث عنها اينشتاين بلمحة واحدة تلك اللمحة التي تحدث عنها هنري بوانكاريه . اصعدوا الى الجبل كي تستطيعوا مشاهدة غابة الاعلام المنظم ، غابة السياسة المنظمة، غابة الفكر المنظم ، غابة التبريرات المنظمة، غابة الحروب المنظمة ، غابة التصريحات المنظمة ، غابة الافعال المنظمة ، غابة الاحداث المنظمة …اصعدوا الى الجبل لتشاهدوا تلك الغابات بلمحة واحدة . 2 – السبب النفسيهناك سبب نفسي يسبب اعاقة ذهنية في فهم كلمة المؤامرة لدى مدعي العلمانية، لانها كلمة المؤامرة تولد شعور لدى النيو علمانين و الحداثين بان من ينطقها فقط يحاول ان يشعر الاخر باهمية هذه الشعوب و اهمية هذه الدول ، و الحقيقة المرسومة في عقله ، ان هذه الشعوب و الدول لا اهمية لها تذكر، نحن نكرة و لا اهمية لنا ، فالنيوعلماني يعتقد بانها شعوب متخلفة و حقيرة و دول لا تستحق العيش و لذلك يسخر كثيرا من كلمة المؤامرة و يصاب بنوبات هسيترية من الضحك عند سماعها. و الدليل على صحة كلامي هذا عندما تسمع ردود مدعي العلمانية الجدد تجد ان اكثر تعليقاتهم تقول اننا لسنا مهمين حتى يتم التآمر علينا ، و لا اعرف ماهي المقاييس التي تجعلنا نصنف دول حسب الاهمية ، هل الاهمية الاقتصادية ام الامنية ام الجغرافية ام اهمية الثروات او الخامات ، ام هل الاهمية بكون الفرد يملك سيارة غالية الثمن و غيره لا يملك ما ياكله ، بل ان منهم من يقول قد اصدق المؤامرة لو كانت على اليابان او ماليزيا ، ام مؤامرة علينا فلا اصدقها ، و بالتالي لا اصدق مفهوم المؤامرة هذا ، و بالتالي فما يجري مثلا في اليمن و ليبيا و سوريا و العراق ليست مؤامرة بل هي منتج محلي و ليس خارجي، هذا هو المنطق لديهم في التفكير، و لا اعرف هل سال نفسه يوما اذا كانت هذه الدول غير مهمة كي يرفض فكرة المؤامرة ، ماذا لو ارادت دولة غير مهمة ان تكون مهمة ، الا يسال نفسه هذا السؤال ؟!بعد ست سنوات كاملة ارهاب و تمويل الجماعات الارهابية و اغراق المنطقة بالارهاب و التدمير و التخريب و التقسيم ، كل ملفات المنطقة انكشفت و ظهرت امام الكثير، و مازال و هناك من العلمانين من يتحدث كل فترة واخرى و خصوصا هذه الايام، انه يكفر بمصطلح المؤامرة ، هل يمزح ؟، ام يحاول تميع العقل باسم حداثة و علمانية ، بعد كل هذا الوضوح الذي ينكشف في اليمن و سوريا و العراق و ليبيا و المنطقة كلها من هذه التحالفات السريعة و التحولات السياسية التي توضح بجلاء كل الادوات التي كانت تختفي في المنطقة و تتحرك لخدمة مصالح القوى الكبرى .اكفر بالمؤامرة و اكفر بكل الاحاسيس الذي تولده هذه الكلمة في وجدانك، لكن الحقيقة التي لن تستطيع ان تخفيها ، هي ان هناك مصالح منظمة لقوى كبرى تحاول فرضها في المنطقة ، مصالح قوى كبرى تتشابك لاجل الحفاظ على نفسها ، و تتحرك الان لاجل تحقيق اهدافها و استمرار مصالحها و بقاءها، منتجة اثر كبير و هائل و واسع ، اثر يفوق قدرات عقلك السطحي من ان يستوعبها .ابن الشمس