السؤال الذي يتهرب منه الباحثين : كيف تم فك النقوش المسمارية؟

السؤال الذي يتهرب منه الباحثين : كيف تم فك النقوش المسمارية؟

 
2022-12-02
 
 
 

اعتقد ان الكثير خصوصا من سكان العراق و سوريا ، يؤمنون بفكرة ان الكتابة اول ما بدات في العراق او سوريا ، ف هذه الفكرة مازالت محل نزاع بين العراق و سوريا ، فهناك من يقول العراق و هناك من يقول سوريا، لكن الجميع متفق على ان الكتابة المسمارية هي اقدم كتابة في الارض .

هذه الفكرة يؤمن معظم الباحثين و المفكرين في العراق و سوريا مثل فراس السواح و خزعل الماجدي ، و هو وراء كثير من المؤلفات التاريخية و الفكرية التي تتناول حياة القدماء في العراق و سوريا ، و التي وجدها هولاء الباحثين بعد قراءة مؤلفات لعلماء غرب ، مثل كتاب (مغامرة العقل الاول) لفراس السواح من سوريا ، و كتاب ( التاريخ السومري ) لخزعل الماجدي و مؤلفات كثيرة .

الحقيقة ان هذه الفكرة يتبناها معظم الباحثين و العلماء الغربين و الذي كان لهم الفضل في فك تلك الكتابة ، حتى ان اليونسكو ذهبت الى منطقة في العراق و ينصبون فيها لوحة كتب عليها ( من هنا بدا اول حرف كتابي ) .

لنفترض اننا نتفق مع هذه الفكرة ، لكن الا يحق لنا طرح سؤال يفرض نفسه: اذا كانت الكتابة المسمارية اقدم كتابة في الارض ، فلماذا لا تجد من يطرح على مفكرينا سؤال طبيعي : كيف فكت هذه الكتابة و ما هو الاساس العلمي للفك ؟

و لماذا لا نجد لهولاء المفكرين و الباحثين مقالات و مؤلفات تثقف الجماهير لجواب هذا السؤال ، و كان هولاء المفكرين يتهربون من اي شخص يمكن ان يطرح هذا السؤال الطبيعي.

الحقيقة اني لم اجد في معظم المؤلفات و المقالات التاريخية لباحثينا و التي فتشت فيها اي موضوع يجيب على سؤالنا ، بل لم اجد قارىء يطرح بالحاح مثل هذا السؤال ؟

الم يكن من المفروض على مثقف و مفكر مثل فراس السواح قبل اخراج كتابه ( مغامرة العقل الاول ) ان يغامر بعقله و يخرج لنا كتاب ( مغامرة العقل الثاني ) فيه اجابة على سؤالنا ، حتى يمكن للعقل الثاني ان يقرا كتابة مغامرة العقل الاول بشكل علمي و منطقي .

مغامرة العقل الثاني

كيف تم فك الكتابة المسمارية ؟

كما يعرف الجميع بانه قبل تقريبا ٢٠٠ سنة تقريبا ، بدا عمليات الغرب المحتل في فك الكتابات القديمة في المنطقة ، و كل الكتابات فكها الغرب و اخرج لنا ترجمات نصوصها في قواميس و كتب ، و نحن قمنا فقط بقراءة مؤلفات غربية و قمنا بتاليف تاريخنا بناء على مؤلفات غربية .

لكن من يتامل القصة باكملها سيجد ملاحظات عديدة مهمة ، عندما نقوم بمقارنة قصة فك الكتابة المسمارية مع قصة فك الكتابة الهيروغليفية .

فالبرغم من كون الكتابة المسمارية هي اقدم كتابة حسب ااعتقاد الغالبية ، الا قصة فكها لم تنل شهرة و اهتمام مثل قصة فك الكتابة الهيروغليفية.

فقصة فك الكتابة الهيروغليفية نالت اهتمام كبير و شهرة ، و مازال الناس يتداولونها و نال العالم الذي فكها شهرة كبيرة و نال مكانة علمية كبيرة و وصف بالعبقري ، و اخرجت كتب كثير عن حياة من فكها و عمل له تمثال و عمل له افلام سينمائية.

لكن قصة فك الكتابة المسمارية ، لم تنهل اي شهرة او اهتمام ، و لا يوجد هناك من هو مهتم بها و لا يتم تداولها ، و لم يوصف من فكها بالعبقري ، و اسمه غير مشهور في المشهد الثقافي .

فتستغرب عن الاسباب .. .. لانه من المفروض ان ماحدث في فك الكتابة الهيروغليفية سيكون هو نفسه ما سيحدث مع الكتابة المسمارية .

السؤال ماهو السبب ؟

دعونا نطالع قصة فك الكتابة المسمارية و نقارنها بقصة فك الكتابة الهيروغليفية .

الكتابة الهيروغليفية

التطورات الرئيسية العلمية التي جرت و ادت الى فك الكتابة الهيروغليفية:

● 15 يوليو 1799 …………. تم اكتشاف الحجر في بلدة رشيد

● 19 يوليو 1799 ………… تم الاعتراف رسميا بأن الحجر هو ثلاث نسخ لنص واحد من قبل اللجنة العلمية في القاهرة ……. و مكتوب بالخط الهيروغليفي و اليوناني القديم .

● 30 يولبو 1799 ………. تم نقل الحجر الى القاهرة .

● اغسطس 1799 …….. بدا تداول الاسم الرسمي المعروف للحجر عند الغرب ( حجر روزيتا )، و أمر “نابليون ” قائد الحملة الفرنسية بإعداد عدة نسخ منه لتكون في متناول المهتمين بالحضارة المصرية في أوروبا بوجه عام وفي فرنسا بوجه خاص.

● سبتمر 1799 ……… تم نشر خبر الاكتشاف في صحيفة رسمية فرنسية ، و ظهرت فيها اول كلام يقول [ بانه ربما يكون الحجر في يوم من الأيام هو المفتاح لفك رموز الهيروغليفية ]

● 1800 …………تم الاعتراف رسميا بان النص الأوسط في الحجر مكتوب بالخط الديموطيقي المصري ( خط الشعب )، و يعود الفضل الى العالم الفرنسي مارسيل الذي كان في مصر ضمن الحملة الفرنسية

● 1802 ………….الحجر وصل إلى بريطانيا بمقتضى اتفاقية العريش التي أُبرمت بين إنجلترا بقيادة القائد “نيلسون” وفرنسا بقيادة القائد “مينو”، تسلمت إنجلترا بمقتضاها الحجر وآثارًا أخرى .

و بدأ الباحثون بترجمة النص اليوناني، وأبدى الباحثان “سلفستر دي ساسي” و”أكربلاد” اهتماماً خاصًّا بالخط الديموطيقي.

و توصل علماء الغرب الى النص الديموطيقي استخدم حروفًا صوتية لتهجئة ( الأسماء الأجنبية ) .

● 1803 ………. كانت دراسة النصوص جارية و ظهرت أول ترجمة كاملة للنص اليوناني و اكتشف بانه مرسوم كتبه ملك يوناني اسمه ( بطليموس) .

● 1814 ….. يعتبر هذا العام هو أول الخطوات الهامة التي ساهمت في فك الهيروغليفية .

و جاءت هذه الخطوة في مجال الخط الهيروغليفي على يد العالم الإنجليزي “توماس يونج” الذي حصل على نسخة مطبوعة من حجر رشيد عام 1814 والذي افترض أن الاطارات الدائرية و الموجودة في النص الهيروغليفي، تحتوي على أسماء ملوك .

● 1815…… تم اكتشاف مسلة فيلة و التي تتضمن نصا باليونانية و بالهيروغليفية .

و تم التاكد من الافتراض من قبل العالم ( توماس يونج ) .. بعد ان اعتمد على نصوص أخرى مشابهه كالمسلة التي عثر عليها في معبد فيلة في 1815 و التي تتضمن نصًّا باليونانية و آخر بالهيروغليفية، و كان النص اليوناني بعد ترجمته يتحدث عن ملكة اسمها( كليوبترا).

و هذا الافتراض ……… جاء من فكرة ان الاطارات تظهر دائما عندما يكون النص اليوناني يتحدث عن ملوك، و هذا يعني بان الاطار قد يحتوي على اسم ملك من باب التكريم و التعظيم كرسالة من ملك الى ملك يوناني .

لكن يونج كان بعتقد بان الكتابة المصرية …. كتابة رمزية و ليست صوتية .

● 1816 – 1821 ( خمس سنوات ) …..تم فيها فك اول كلمات الحجر .

لقد جرت محاولات هامة خلال هذه المدة ، من قبل العلماء في فك الهيروغليفية ، و كان من بين هولاء العلماء شاب فرنسي اسمه چان-فرانسوا شامبليون. ( 1790 – 1832 ) .

كان شامبليون يميل جدا لمعرفة اللغة المصرية القديمة و حضارة مصر القديمة، و ساعده في ذلك ما قراه من كتب اليونان و الرومان ، فتعلم اللغة الجبتية و كان يضطر الى لقاء بعض من الجالية القبطية في باريس حتى اتقنها جيدا حتى انه صبح استاذ في تدريس الجبتيه .

فاتقان شامبليون للغة الجبتية بجانب اليونانية و لغات اخرى و ايضا اطلاعه الكبير في التاريخ ………..كل هذا جعله يحاول فك الكتابة المصرية القديمة ، و اراد ان يكون له الفضل في فك هذه الكتابة .

فانهمك جدا في هذه المهمة العلمية و التاريخية و كان يضطر لشراء القطع و اللوحات و الرسومات حتى ينال شرف هذا الفتح العلمي الذي سيخلد اسمه في التاريخ .

حصل الشاب الفرنسي “چان-فرانسوا شامبليون” على نسخة من الحجر كما حصل عليها غيره من الباحثين و عكف على دراسته مبدئيا اهتماماً شديداً بالخط الهيروغليفي ومعتمداً على خبرته الطويلة في اللغة اليونانية القديمة، وفي اللغات القديمة بوجه عام منها القبطية .

كان على شامبليون أن يحل مجموعة من الافتراضات:

أولها: هل الخطوط الثلاثة (الهيروغليفية – الديموطيقية – اليونانية) تمثل ثلاثة نصوص مختلفة من حيث المضمون أم أنها تمثل موضوعاً واحداً ولكنه كتب بالخط الرسمي (الهيروغليفي)، و خط الحياة اليومية السائدة في هذه الفترة (الديموطيقي) ثم بلغة اليونانيين الذين كانوا يحكمون مصر.

ثانيها: يتعلق ببنية اللغة المصرية هل تقوم على أبجدية أي مجموعة من الحروف كاللغات الحية مثلاً ؟ أم أنها كتبت بعلامات تراوحت قيمتها الصوتية بين حرف وحرفين أو ثلاثة أو ربما أكثر.

ثالثها: هل عرفت هذه الكتابة حروف الحركة؟ … وهل العلامات تصويرية أم صوتية؟ وما هي الأدوات التي استخدمها المصري لتحديد معنى المفردات؟

وهل استخدمت المخصصات والعلامات التفسيرية ؟!!…الخ

لابد أن هذه الافتراضات والتساؤلات وغيرها كانت تدور في ذهن “شامبليون” وهو يتعامل مع الحجر ولابد أنه قد استرعى انتباهه أن هناك أكثر من خط للغة المصرية القديمة، فضلاً عن تساؤلات منها: هل هناك علاقة خطية بين الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية؟

وهل هناك من علاقة لغوية في مجال القواعد والصرف.. الخ.. ثم هذه العلامات الأسطوانية في النص الهيروغليفي والتي تحيط ببعض العلامات الهيروغليفية – والتي عرفناها فيما بعد باسم الاطار ماذا تعني؟

لقد قرأ شامبليون النص اليوناني في حجر رشيد ، وفهم مضمونه وقرأ فيه اسم الملك بطلميوس .

لقد سلك شانبليون منهج يعتمد على فكرة كون أسماء الأعلام غير قابلة للتغيير عند كتابتها باي لغة ، ثم تحرك الى فرضية أن هذا المرسوم الذي صدر في عهد الملك بطلميوس الخامس عام 196 ق.م لابد و أنه قد كتب إلى جانب اليونانية بخطين من خطوط اللغة الوطنية لمصر ….. ولابد أن اسم بطليموس باليونانية سوف يتكرر ظهورة في الخطين الهيروغليفي والديموطيقي.

لقد كانت الصعوبة لدى شامبليون تتمثل في ادراك حروف الحركة التي تحدد نطق السواكن بالفتحة أو بالضمة أو بالكسرة …… لذلك اعتمد شامبليون على فكرة أن الحروف الساكنة لأسماء الأعلام لا تتغير مهما تعددت اللغات التي كتبتها .

فمثلا … في العربية نجد اسم مثل ( مجدي ) لا يمكن للحروف الأولى الثلاثة ( م ج د ) أن تسقط عند كتابتها باي لغة ، وكذلك (حسن) وإن خفت حركة الحروف أو انقلبت أو أُبدلت .

يوجد داخل حجر رشيد اطار واحد و قد تكرر ست مرات ضم اسم، و تكرر اسم بطليموس عدة مرات في النص اليوناني، و هو نفس الاسم الذي ورد ايضا على مسلة فيلة بالإضافة إلى اسم (كيلوباترا)و التي اكتشفت عام 1815 .

لقد افترض شامبليون بان اسم (بطليموس) موجود داخل هذا الاطار الموجود في حجر رشيد ، و بان اسم ( كليوباترا ) موجود ايضا في اطار مسلة فيلة

قام شامبليون بتسجيل اسم ( بطليموس) باللغة اليونانية الذي ورد في النص اليوناني و قام بترقيم حروف الاسم …….. و سجل ايضا اسم ( كليوبترا ) الذي ورد في مسلة فيلة باليونانية ورقم كل حرف في الكلمة ، و السبب هو لان الاسمين يشتركان في القيمة الصوتية لبعض العلامات كالباء و التاء و اللام.

ptolemys

Kleopatra

ثم سجل شامبليون العلامات الواردة في خرطوش (بطلميوس) و رقمها وفعل نفس الشيء بالنسبة لخرطوش (كيلوباترا) الموجود في مسلة فيلة .

و هناك وجد اشتراك لرموز متشابهة بين الاطارين ، مما يؤكد فرضيته ، ف اشتراك الحروف الساكنة ( ب ت ل ) في الكتابة اليونانية ، و يوجد اشتراك ايضا بين الاطارين ، في عدة رموز .

ثم قابل العلامة الأولى من اسم “بطلميوس” بالهيروغليفية وما يقابلها في اسمه باليونانية وتمكن “شامبليون” من أن يتعرف على القيمة الصوتية لبعض العلامات الهيروغليفية اعتمادًا على قيمتها الصوتية في اليونانية.

و تم معرفة الحروف الصوتية في الكتابة الهيروغليفية .

● 1822 …… يعتبر هذا العام هو الخطوة الاخيرة التي ساهمت في فك الهيروغليفية .

في هذا العام، وصلت لشامبليون …….قطعة اثرية من صديق و قد نزعت من احد معابد مصر و تحوي على اطار مكتوب داخله اربعة رموز .

بالنسبة للرمز الاول داخل الاطار …………. .فقد كان معروف قيمته الصوتية لدى شامبليون ، لانه كان نفس الرمز الموجود داخل الاطار في حجر رشيد و قيمته الصوتيه التي وصل لها هي : ( S ) .

و كان شامبليون يعرف جيدا بان هذا الاطار لابد ان يحوي على اسم ملك، لان اسماء الملوك تكتب داخل الاطارات …. كما عرفنا .

و في يوم بدا عقل شامبليون يعمل و عيناه مسمرتان نحو القطعة، و زاد الهياج و التوتر، و بدات يده ترتعش ، فالاسم يبدا برمز يشبه شكل الشمس، و لان شامبليون كان لديه علم و اطلاع باللغة الجبتية ، كان يعرف بان كلمة ( شمس ) تنطق باللغة الجبتية …. ( راع ) .

اذن فاسم الملك يبدا ب ( راع ) يليه رمز مازال مجهول ثم يليه رمز مكرر يمثل قطعة قماش مطوية .

Ra .( ¤ ) .S.S

اي ان اسم الملك … سيبدا بكلمة ( راع )

و هنا لمعت فكرة عبقرية في راس شامبليون : ماذا لو كان اسم الملك هو راعمسيس، اشهر ملوك مصر القديمة الذي قد قرا عنه كثيرا في كتب التاريخ اليونانية .

مجرد فرضية … لكن غير مؤكدة .

و بيدين مرتجفتين، راح شامبليون يقلب الرسوم الاخرى ، و الافكار تدافع بشده …… و اذا بنظراته تتسمر من جديد على صورة اخرى تحتوي على نفس الرمز ( S ) الذي كان موجود في حجر رشيد و في الاطار الذي وصل له … و كان الرمز في موجود في نهاية الاسم ، و يبدا الاسم برمز لطائر مقدس ايبيس الذي يجسد الاله توت ، و في وسط الاسم نفس الرمز المجهول السابق ( ¤ )

فاذا كانت ترجمة شامبليون صحيحة في الاسم ( Ra – m – s – s )، و الرمز الاوسط المجهول لا يعني الا حرف ( m ) ….. فالاسم الموجود في الصورة هو اذن هو توتموس ( Thout – m – s ) ……. و بالفعل توتموس ثاني اشهر ملوك مصر قديما .

لم يكن هناك ادنى شك لدى شامبليون …… لقد سقطت الغشاوة عن عيني شامبليون، و ها هو يمسك بيده مفتاح تاريخ مصر القديم، الذي فقد منذ 2000 سنة .

و اعلن شامبليون اكتشافة في الجمعية الفرنسية للعلوم و اللغات .و صفق له الحضور ……. حتى ان اشهر علماء اللغة في ذلك الوقت دي ساسي الذي يعود له الفضل في وضع النظريات الاولى لعلم اللغة، قام من كرسيه و احتضنه بحرارة، لقد اعترف دي ساسي اخيرا لشامبليون بعبقريته و هو الذي كان يحلم دائما بالجلوس معه .

لقد ظهرت عبقرية شامبليون …. في انه قد توصل الى اكتشاف القيم الصوتية لبقية الرموز بنفسه عبر مطابقتها باللغة الجبتية ، و هذه العبقرية التي جعلت ملك فرنسا يعطيه علبه من الذهب منقوش عليها عبارة : ” هذه هدية من ملك فرنسا لويس الثامن عشر الى شامبليون لاكتشافه الاحرف الهجائية الهيروغليفية”

و قال عنه شاتوبريان : ” لايزال اسم شامبليون حيا، مادامت هذه الاثار قائمة ، و التي كشف لنا اسرارها الغامضة “.

ثم كرمته فرنسا كاحد عظماء التاريخ، و تم تعينه مدير المتحف و استاذ علم المصريات في الجامعة، و ادخل اسمه الى مجمع الخالدين الفرنسيين .

لقد أعلن “شامبليون” في باريس على العالم كله .. بأنه تمكن من فك رموز اللغة المصرية القديمة، و اخبر العالم بنية الكتابة في اللغة المصرية .

لقد توصل شاميليون الى ان الهيروغليفية لا تقوم على أبجدية فقط، وإنما تقوم على علامات تعطي القيمة لحرف واحد و علامات أخرى تعطي قيمة لحرفين و علامات اخرى تعطي قيمة لثلاثة حروف ، وأكد استخدام المخصصات في نهاية المفردات لتحديد معنى الكلمة.

لقد توصل شامبليون الكتابة الهيروغليفية ( المصورة ) هي كتابة صوتية تحوي قيمة صوتية متعددة، و تخلو من حروف الحركة .

وهكذا وضع “شامبليون” اللبنات الأولى في صرح اللغة المصرية القديمة.

وجاء من بعده المئات من الباحثين الذين أسهموا في استكمال بناء هذا الصرح الشامخ. وبمعرفة اللغة المصرية القديمة بدأ الغموض ينجلي عن الحضارة المصرية وأخذ علم المصريات يشق طريقه بقوة بين العلوم الأخرى.

الكتابة المسمارية

بعد ان استطاع الغرب فك نقوش مصر ، كانت رحلة علماء الغرب في فك نقوش العراق مازالت مستمرة.

في العام 1872 استطاع رجل بريطاني و كانت قد ظهرت عليه علامات النبوغ في طفولته، كما تقول سيرته ، و اصبح في وقت ما عامل في المتحف البريطاني، من فك النقوش المسمارية …….. و اسمه جورج سميث .

جاء نجاح جورج سميث في فك النقوش المسمارية … نتيجة صدفة و حادثة مثيرة للدهشة ….. بعد انكب على محاولة فك الواح طينية وصلت اليه …. و انكب على دراستها … و فجاءة ظهر شيء … شد أنظار جورج … لم يكن امام جدول عادي بالمعدات .. بل امام ملحمة من ملاحم الشرق ….. ملحمة جلجامش .. البطل العظيم .. و يواصل جورج سميث قراءة النصوص … و لا يصدق عيناه … انها تتحدث عن الطوفان العظيم …. الذي اغرق الكون … انه الطوفان الذي يتحدث عنه كتاب العهد القديم .

سارع جورج سميث الى الجمعية العهد القديم ، و قدم اليهم تقرير عن اكتشافه ….. و لم يصدق اعضاء الجمعية العهد القديم هذا الخبر. خبر لم يسبق له اي مثيل .. كان جورج سميث متبحر في جدا في كتاب العهد القديم، و كان متاكد بان هذا الاكتشاف دليل على صحة الطوفان في العهد القديم،و انتشر خبر الطوفان البابلي في كل الاوساط العلمية .

هذه كل قصة فك الكتابة المسمارية

دعونا نقارن بين القصتين

في قصة الكتابة الهيروغليفية ، و بغض النظر ما اذا كنا نتفق مع الطريقة ، لكن هناك منهج واضح يشرح لك كيف تم الفك ، و بعدها سيكون الحكم لك في الاقتناع بها او لا ، وفق اسس علمية و منطقية .

لكن اين هو مثل هذا المنهج في فك الكتابة المسمارية ؟ ، كيف استطاع الغرب ان يجد القيم الصوتية لتلك الرموز .

لو سالتني … ايهما الاعقد في الفك ، الكتابة الهيروغليفية ام المسمارية ؟

ساجيب عليك .. المسمارية .

لان الكتابة التصويرية تمتاز عن بقية الكتابات بانها تملك قيمتين ، قيمه صوتية و قيمة اسمية ، و هذا يجعل من السهل فكها لو مازالت لغتها حية الى اليوم.

لان كل ما عليك ان تشاهد الصورة ، و اذا كانت الصورة ل ( عين انسان ) ، فالاحتمال الكبير ان الرمز ينطق ( عين ) .. و هكذا عرفنا قيمته الصوتية لانه يملك قيمة اسمية .

لكن كيف يمكن التوصل الى ادراك قيمة صوتية لرمز، لا يملك قيمة اسمية، مجرد خطوط ، و اللغة التي كتبت بها هذا الكتابة منقرضة ؟

فكيف استطاع الغرب تاليف قاموس لغوي لتلك الكتابة ، و كيف ادرك قيمة الصوتية لكل تلك الرموز .

يعني مثلا هذا الرمز ( w ) … ما هي قيمته الصوتية ؟

ستقول بان ( w ) يملك قيمة صوتية ( وو ) ، لكن كيف عرفت ؟

لانه ايضا يمكن ان يملك قيمة صوتية ( ف ) كما في الفرنسية .

اذن انا عندي الحرية في جعل هذا الرمز ( w) يملك اي قيمة صوتية و ليس الامر توقيفي على قيمة صوتية ( وو ).

اذا ….. كيف عرف الغرب رموز كتابة قديمة صعبة جدا ، و لا يوجد اي قاعدة تفرض عليك ان تعتقد بان رمز فيها يملك قيمة صوتية ( با ) ؟

في الهيروغليفية يملك الغرب منهج منطقي في قصته ، لكن في المسمارية لا يوجد اي منهج منطقي في قصته ، فقط فكوا النقوش بدون شرح الطريقة و يتعمد تجاهل الطريقة، ، لان الغرب لا يستطيع تاليف قصة علمية مقنعة تثبت للناس نجاحه.

و هذه هي الاسباب التي تجعل العقل الثاني يمتنع عن الذهاب مع العقل الاول في مغامرته الغير منطقية و الغير علمية .

#فراس_السواح

اترك تعليق