لذلك لابد ان اقدم الادلة التي ستقطع الشك باليقين .. حتى يعرف جميع المسلمين في العالم كله مشروع الغرب المستمر و المتواصل و الخفي الذي كان و مازال يعمل في المنطقة منذ قرون طويلة ، و هو السبب وراء سرقة زمن و تاريخ المنطقة الحقيقين .
لم اكن اريد الحديث في الموضوع ، لانه ربما ليس من الحكمة و المسؤولية التاريخية الحديث في هذه الموضوعات في مثل هذا الوقت تحديدا ، لانه سيكون له اثار سلبية و ربمل سيحرف مسار المعركة ضد المشروع الصهيوني ، و يدخلنا في مسارات خاطئة و معارك جانبية خاطئة ، لكن عندما وجدت خطاب واضح في القران يتحدث في هذا الموضوع، ادركت فعلا خطورة الموضوع و ان الوقت حان ….ادركت بان القران الكريم فعلا شخص جوهر المسالة ، و باننا امام الحقيقية الباقية التي ستنير الطريق للجميع ، و زادت قناعتي بعد تفكير بان الموضوع جزء اصيل من المعركة … فكان اختيار التوقيت المناسب للحديث في هذا الموضوع … يحتاج الى التفكير مني .
قد اكون مخطىء في اختيار التوقيت المناسب للحديث حول هذا الموضوع، لكني ساطرح للجميع نقاش مسالة توقيت هذا الحديث هل هو مناسب ام غير مناسب ، غير ذلك فانا لست مخطىء ابدا في حديثي بهذا الموضوع الهام و الخطير ، لانه جوهر المشكلة ، لان الموضوع لم يعد مرتبط بدين فقط ، بل مرتبط بضياع هوية المنطقة و جعلها متخبطة منذ قرون ، فاصبحت لعبة بيد الغرب.
كما قلت مسبقا بان مكة مرتبطة بنقطتين مهمتين ، النقطة الاولى هي الدين الوهابي و النقطة الثانية هي الهوية .
● بخصوص الدين و السياسة
هل تشاهدون …….. اي عمى حل بشعوب المنطقة و هي تشاهد كل تحركات ال سعود التدميرية في المنطقة و الاجندات الصهيونية التي ينفذها ال سعود و مع ذلك لا تجد في نسبة كبيرة من شعوب المنطقة ادراك لذلك بل هناك احساس داخلي بالاصطفاف خلف ال سعود في خطابهم و تحركاتهم .
الم تسالوا ما هو هذا السحر الاسود الذي القى به ال سعود على شعوب المنطقة ليصبحوا بهذا العمى ؟
السبب … هو مكة . لان اقدس مكان للمسلم موجود في قبضة ال سعود، و هذا يعني بان روح سكان المنطقة بقبضة ال سعود و يقوم ال سعود بجر تلك الروح الى كل مكان قذر و هم مستسلمون بدون وجود ادنى استنكار او مقاومة .
هل تشاهدون ……. مدى عبث و خراب شيوخ دين ال سعود و الذي اصبح واضح للطفل الصغير بانهم مجرد عملاء و موظفون تابعون لمخابرات ال سعود في وظيفة التكلم باسم الله من مكة لمخاطبة الجماهير في المنطقة بكل ما يخدم الاجندات الصهيونية و مصالح الغرب من القتل و التدمير و الخراب و الفتن … و مع ذلك مازال الكثير من سكان المنطقة عميان و لا يستطيعون مشاهدة اجرام ال سعود و شيوخهم …. هل سالتم ما السبب ؟
السبب …… هو مكة . لان مكة اقدس مكان لدى الكثير من سكان المنطقة في قبضة ال سعود خدام المشروع الصهيوني …. و اي خطاب ديني يخرج من جنب الكعبة فهو خطاب من الله …. الخطاب الروحي …. و هكذا فال سعود سرقوا العقيدة الروحية لغالبية سكان المنطقة و قيدوا عقل سكان المنطقة و جروه لما يخدم المشروع الصهيوني .
هل تعتقد بان هذا السبب الجوهري لا يدركه ال سعود و الغرب ؟
انت مخطىء .. الامر بسيط و واضح جدا و لا يحتاج الى عقبرية ، لكن يحتاج الى عقل شيطاني خبيث ، فهم ليسوا سذج و اغبياء ، هم عقل شيطاني خبيث و يدركون هذا جيدا و يدركون التاثير القوي لمكة اعلاميا لنجاح استراتيجية مشروعهم ، هم يسيرون وفق مشروع مرسوم منذ عقود طويلة ، وما دفع و مساعدة بريطانيا لال سعود في احتلال الحجاز الا لاجل مكة و ضمها لمملكتهم لتقوم بهذا الدور المستقبلي الذي يخدم مصالح الغرب في المنطقة .
و حتى يتاكد الجميع …فقبل شهرين تقريبا يوليو 2018 ……. خرج وزير خارجية السعودية الجبير بتصريح يفضح فيه المشروع الصهيوني الذي يديره ال سعود و يكشف للجميع عن الاداة الاساسية و الاقوى التي يستخدمها ال سعود لنشر المشروع الصهيوني و ترسيخه في المنطقة.
الجبير قال في صحيفة امريكية :
” المملكة العربية السعودية تمتلك قدراً كبيرًا من القوة الناعمة، والتي بإمكانها التأثير على ما يقرب من 2 مليار مسلم حول العالم يتوجهون اليها في اليوم خمس مرات ، و المملكة عندما تغير وتنفتح وتتبنى سياسات الاعتدال والتسامح والابتكار، حينها سيحذو المسلمون حذوها، فلا يوجد بلد لديه مثل هذه القوة الناعمة. “
انظروا جيدا ……….لمدى و عمق ادراك ال سعود و الصهيونية العالمية لقوة تاثير قدسية مكة على المسلمين .
● بخصوص النقطة الثانية حول التاريخ
مكة مرتبطة بفكرة عامة خاطئة في المنطقة حول العرب و اللغة العربية ، فشعوب المنطقة لا تستطيع تخيل الانسان العربي الا من تلك النقطة التي تحت قبضة ال سعود . فاللغة و العربية و العرب خرجوا من تلك النقطة … و ال سعود هم ممثلين تلك النقطة و هم اساسها … فهم قادة و اساس العرب و هم صورة العربي الحقيقي .
هذه فكرة خاطئة تماما … و هذه الفكرة ستؤدي الى كوارث كبير.
لان ال سعود يقدمون اغبى و احقر و اقذر و انجس و اسفل صورة للانسان العربي. و هذا سيؤدي بشكل طبيعي بناء على تلك الفكرة الخاطئة و الطفولية الى لغط حول مفهوم الهوية في المنطقة، و سيؤدي ايضا الى ظهور حالات تبرم و سخط و انفصام في الهوية و جدل حول اللغة .
ايضا سينعكس على نظرة الناس الى اللغة العربية ….. فكراهية اللغة العربية جاءت من كراهية ال سعود …. لان الصورة العامة بان العربية لغة ال سعود … و ليست لغة سكان المنطقة منذ القدم.
هل تعتقد بان المشروع الصهيوني لا يعي ذلك ؟
و الله انك مخطىء …. و ساذج … هذه مشاريع استراتيجية … يتم تصميمها داخل مراكز دراسات و ابحاث … من قبل خبراء امن و مفكرين استراتيجين … هولاء عقل خبيث شيطاني …و هذه هي وظيفة ال سعود في المنطقة ……….. ايصال المنطقة الى هذه التصورات الخاطئة و التي ستسبب اعاقات ذهنية، سينتج عنها فوضى الهوية … لاجل تسهيل عمليات التقسيم و التفتيت في المنطقة … و هو لب المشروع الصهيوني .
لان المشروع الصهيوني يعتقد ان العقل في المنطقة عاجز تماما عن فك احجية الزمن الصهيوني و عاجز عن قراءة حقيقة للتاريخ و لابد ان يصل الى فوضى الهوية العارمة …. بسبب ال سعود .
الم تلاحظوا من خلال مراقبتكم في صفحات مواقع التواصل كيف انه بعد كل موقف قذر للسعودية ، تنتشر تعليقات و موضوعات تتحدث عن العرب بالتعميم . العرب جرب ، العرب خونة ، العرب ، العرب ، و كان هناك برمجة خبيثة في اللاوعي تربط العرب بال سعود ، لكن عندما يكون هناك موقف بطولي و شريف من سوريا او لبنان او اليمن .. لا يحدث تعميم في صورة العرب .
هل استوعبتم الان سبب حديثي في هذا الموضوع و اهميته ؟
لكن هل يعني بان هذه المشكلة تقتضي منا ايجاد حل بطرح مثل هذا السؤال ، و هل مشكلة سيطرة ال سعود على مكة و دورهم في بث الفساد و الخراب عبر مكة يجعلنا ننفي ان مكة هي المسجد الحرام .. لان هذا قد يجعل حديثنا غير موضوعي و غير علمي ؟
لا
اولا لان هذا الموضوع قديم نسبيا ، و اختيارنا اليوم كتوقيت للحديث حوله، لاننا نشهد في هذه الايام قمة توحش الغرب الصهيوني في كافة المجالات … اعلاميا و عسكريا و سياسيا و فكريا ، و ثانيا لان الحديث عن مكة مرتبط بالحديث عن القدس، و مرتبط بالمشروع الصهيوني في المنطقة الذي انتج للعالم رواية تاريخية دينية مزورة ليضحك بها على المتدينين من اجل منح الكيان الصهيوني في المنطقة شرعية تاريخية و دينية و تبرير بقاء و استمرار اطماع الغرب الاستعماري الذي يهدف لاحتلال المنطقة و الهيمنة عليها و نهب ثرواتها.
———
لكن قبلها … تنبيه ….موضوعنا ليس ديني …. موضوعنا تاريخي صرف …. لان حديثي سيعرج ايضا نحو القدس . لذلك ارجوا لمن يعاني من عقده من الدين ان لا يدخل ……. لاننا نناقش موضوع تاريخي جاد … و بمسؤولية … بدون الدخول في جوانب سياسة او اسئلة تناقش موضوع الاديان و معاني طقوسها .
هل مكة الحالية هي المسجد الحرام ؟
اقرا كثيرا في المجموعات و الصفحات التاريخية موضوعات كثيرة حول القدس و مكة و تثار اسئلة حول حقيقتهما و هل هذه المدن هي نفسها في النصوص الدينية او التاريخية ، لكني لم اجد يوما احد يطرح الموضوع من جذوره حتى يستطيع ان يصل الى نتائج منطقية .
و لذلك لابد من طرح سؤال للباحثين و هواه التاريخ في هذا الفضاء الافتراضي ، و هذا السؤال هو : كيف تريد ان تبحث في موضوع مثل مكة او القدس بدون ان تطرح سؤال ما معنى مكان مقدس و من اين حصل على قدسيته؟
عندي قناعة راسخة بان الطفل هو الاجدر على طرح الاسئلة المنطقية السليمة في القضايا الصعبة و يفتح نوافذ امام اجابات صحيحة ، و لهذا ساترك طفل يطرح سؤال لاول مرة يسمعه الجميع
لماذا لم يحافظ المسلمين على مسكن اسرة النبي في مكة ، المفروض انه باقي الى اليوم من منطلق حفاظ الناس على كل شيء مرتبط بالنبي ؟
سمعت هذا السؤال قبل فترة من ولد صغير و هو يشاهد مكة و هو يراجع مادة السيرة النبوية التي يقراها في المدرسة و يقارن بين الواقع و بين مخيلته حول رواية الاسلام.
فعلا اين هي مساكن شخصيات رواية الاسلام سوى في مكة او المدينة ؟
هذا السؤال اثار فضولي و جعلني احاول ان اتذكر مراحل دارستي و اعيد طرح الاسئلة التي كانت تجول في خاطري في تلك الفترة.
ما معنى ارض مقدسة او حرام؟
سنحاول البحث عن الاجابة الصحيحة على هذا السؤال من خلال ثلاثة نماذج حولنا المسلمين و اليهود و المسيحين .
القداسة عند المسلمين
عند الحديث عن مكة عند المسلمين فهي تعني المدينة بيت الله الحرام اول بيت وضعه الله للناس و المسجد الحرام الذي دعى الله الناس الحج اليه و بالاضافة لهذا فهي مقام النبي ابراهيم( عليه السلام) ابو الانبياء و مدينة النبي محمد ( ص )، فالقدسية نتيجة سببين في المقام الاول انها بيت الله الحرام الذي بناه النبي ابراهيم و مقامه و ثانيا لانها مدينة الرسول مهبط الوحي.
و عند الحديث عن مكة لابد ان يرتبط الحديث بمدينة القدس في وعي المسلمين ، لان القدس في وعي المسلمين تعني مسرى النبي محمد ( ص) المسجد الاقصى، بجانب انها مرتبطة في وعي المسلمين بالمدينة التي ولد فيها السيد المسيح (عليه السلام) ، و نوعا ما مرتبطة بانبياء تدور احداث قصصهم في فلسطين .
اذن فقدسية مدينة القدس عند المسلمين اتت من اسباب، و في المرتبة الاولى بسبب المسجد الاقصى الذي صلى فيه النبي مسرى الرسول ، و بعده ياتي بسبب انها ميلاد السيد المسيح و بعدها ياتي لانها مسرح قصص بعض الانبياء.
● القداسة عن اليهود
اما عند اليهود و وفق الرواية الصهيونية للعهد القديم فمدينة القدس اسمها الحقيقي لديهم هو اورشاليم و هي المدينة التي بني فيها هيكل سليمان، و كما نعلم فان سليمان في كتاب العهد القديم هو ملك و ليس نبي ، بعكس تصور المسلمين الذين ينظرون اليه بانه ملك و نبي ، و لذلك فشخصية سليمان ( عليه السلام ) في مخيلة اليهود مرتبطة اكثر بمفهوم الكيان السياسي اكثر من ارتباطها بالقداسة الدينية، بعكس حال النبي موسى ( عليه السلام) الذي يعتبر في مخيلة اليهود كاكبر شخصية دينية مقدسة .
اذن فقدسية مدينة القدس عند اليهود اتت من سبب واحد فقط هو قداسة مفهوم الكيان السياسي لليهود باعتبار ان اليهود في جميع انحاء العالم هم شعب واحدحسب التفسير الصهيوني للعهد القديم، و هذا الشعب يرى مفهوم الكيان السياسي مقدس و يريد ان يعيش داخله . فالقدس لدى اليهود هي قداسة سياسية منحها العهد القديم غلاف ديني الهي ، و ليست قداسة دينية بحته مرتبطة بنبي او قدسية بناء قديم قائم لليوم . بل هي قداسة سياسية لكيان دولة تحمل مخيلة مرسوم فيها الهيكل و تحلم ببناءه
● القداسة عند المسيحين
صحيح ان القدس عند المسيحين تحمل قداسة ميلاد السيد المسيح، لكنها قداسة ليست جلية و ظاهرة بشكل عملي ، فليست هناك طقوس في المسيحية تلزم المؤمنين القيام بها في القدس ، و ايضا ليست قداسة مجسدة ، فليس هناك قبر للسيد المسيح لزيارته و ليس هناك معلم مادي واضح مرتبط باحداث سيرة السيد المسيح . و لا يوجد في القدس كنيسة ام لكافة المسيحين في العالم، مسؤولة عن الخطاب الديني المسيحي كدور الفاتيكان حاليا، بل ربما ان الفاتيكان تحتل قدسية لدى بعض المسيحين تفوق قدسية مدينة القدس ( مدينة السيد المسيح ) .
و لان المسيحين يؤمنون بالعهد القديم ، فهم ايضا يرون بان اسم القدس هو اورشاليم .
اذن فقدسية القدس عند المسيحين مرتبطة بمدينة السيد المسيح.
عند تحليلنا للقداسة بين الاديان الثلاثة ، سنجد بانها قداسة مرتبطة بمخيلة مقدسة ( نصوص مقدسة و شخصيات قديمة مقدسة) و ببناء مقدس. و عندما اقول مخيلة مقدسة فانا اقصد صورة ذهنية تخيلية لا دليل مادي لها سوى كونها نصوص دينية مقدسة تحتوي على اوامر الهية و قصص شخصيات مقدسة .
اذن فهناك مخيلة مقدسة و هناك بناء مقدس و الاختلاف في هذين الشيئين بين الاديان الثلاثة :
بخصوص مكة
فمخيلة المسلم نحو مكة هي اقدم المخيلات .. لانها مرتبطة بقصة النبي ابراهيم .. ابو الانبياء … بغض النظر ان كانت الرواية صحيحة او خاطئة او كان اليهود او المسيحين لا يؤمنون بها .
و يوجد في مكة بناء مقدس، يحج اليه المسلمين كل عام .
اما القدس
فالمخيلة المقدسة لليهود نحو القدس هي الثانية في القدم لانها مرتبطة بالنبي سليمان ..و اما البناء المقدس فلا يوجد، مجرد بناء تخيلي ايضا فقط مرسوم في الدماغ .. و لا حقيقة مادية له على الارض . فلا يوجد اي دليل من واقع الحفريات و الاستكشافات الاثرية على وجود اثر لمملكة سليمان .
ثم تاتي بعدها المخيلة المقدسة للمسيحين
ثم تاتي بعدها المخيلة المقدسة للمسلمين ، و لدى المسلمين بناء مادي مقدس ( المسجد الاقصى) قائم حتى اليوم، و كانت زيارة المسلمين له تقليد ديني مرتبط بالانتهاء من طقوس الحج في مكة .
من اين تاتي القداسة للمكان ، هل من امر الهي او من حلول شخصيات مقدسة فيها او من وجود ابنية مقدسة فيها ؟
هذا السؤال يفرض نفسه عند التفكير خارج الاديان الثلاثة السابقة ، و عند البحث عن جواب سنجد تقريبا ان كثير من الاديان في العالم تشترك ايضا في تلك التصورات حول مفهوم القداسة .. فالمكان المقدس في جل الاديان لا يخلو من تلك الاسس الثلاث السابقة ………. امر الهي ، او حلول شخصية مقدسة فيها ، او بناء مقدس فيه.
لكن اتفاق كل الاديان في العالم تقريبا على تلك التصورات حول مفهوم القداسة لا يكفي لتفسير معنى القداسة في المنطقة .
لماذا ؟
لانها لا تفسر اسباب عدم اشتراك الاديان الثلاثة السابقة في مكان مقدس واحد مرتبط ببداية القصة الدينية ، لانه كما يعرف الجميع بان الاديان الثلاثة خرجت من رواية دينية واحدة ، فالمفاهيم الدينية و التصورات العقائدية واحدة في الثلاثة اديان .. و لذلك لابد من اشتراكها في رواية واحدة حول مكان مقدس .
قد تبدو رواية مكة حول البيت الحرام الذي بناه النبي ابراهيم منطقية …….منطقيتها تاتي لكونها مرتبطة ببداية التوحيد و ليس بالنبي محمد، حتى لا نستطيع القول بان الاسلام ظاهرة حديثة مرتبطة بالنبي محمد.
لكن اين هي رواية اليهود و المسيحين حول اماكن البدايات الاولى ، و اقصد بالبدايات … بداية القصة الدينية ، حول ادم او ابراهيم او نوح ….. ، بل مرتبطة باماكن المشاهد الاخيره من القصة الدينية ( سليمان – المسيح ).؟
ثم ايضا هناك الرواية حول القدس، هل كانت القدس قبل النبي محمد ستحضى بتلك القداسة عند المسلمين اليوم، بل قبل السيد المسيح هل كانت ستحضى بقداسة عند المسيحين ، بل قبل سليمان هل كانت ستحضى بقداسة عند اليهود .
قد يكون طرح السؤال السابق غير منطقي ، لان المنطق يقول : كيف افترض وجود قداسة للمكان و قبلها لم يكن هناك اديان او مؤمنين، فالاديان هي من اوجدت المؤمنين و هي من منحت القداسة لذلك المكان؟.
لكني قصدت من طرح السؤال محاولة الخروج من معنى القداسة حتى نستطيع ان نصل لجواب صحيح حول معنى القداسة و لماذا مدينة القدس ، و لكن على افتراض عدم امكانية طرح مثل السؤال السابق ، فهذا سيفرض علينا سؤال منطقي اخر :
لماذا اذن الاديان الثلاث تشترك بقداسة ذلك المكان ( القدس) ؟. سيكون الجواب المباشر و المنطقي عن هذا السؤال لدى الكثير هو : ربما لان الاديان الثلاثة خرجت من اصل ديني واحد.
لكن اذا كانت الاديان خرجت من بنية دينية واحدة، بغض النظر عن الاختلافات الحاصلة بين الاديان حاليا، فالسؤال المنطقي:
لماذا اذن الاديان الثلاثة غير متفقة حول رواية واحدة عن اسباب قداسة مدينة القدس، بل ان جميع الروايات التي تقدمها الاديان حول سبب قداسة مدينة ( القدس ) غير مرتبطة و ليس لها علاقة بالبدايات ، اقصد بداية القصة الدينية ، حول ادم او ابراهيم او نوح ….. ، بل مرتبطة بالمشاهد الاخيره من القصة الدينية ( سليمان – المسيح – محمد ) .؟
بالاظافة الى رواية الاسلام حول مدينة القدس التي تبدو لي الأكثر غرابة من بين الروايات، لانها مرتبطة بالرواية الاحدث نسبيا، و هي حول اسراء النبي محمد ، و تزيد الغرابة لوجود بناء مقدس دون بقية الاديان و يحضى بقداسة هي الاكبر ( المسجد الاقصى) ، بل الاكثر غرابة انه يوجد في المسجد الاقصى الحرم الابراهيمي ، و من اسمه يبدو و كان القدس تحاول ان تجد رابط ايضا بالبدايات الاولى للقصة الدينية بالاشتراك مع مكة .
فهل الاسراء هو مفهوم ديني قديم غير مرتبط بالنبي محمد (ص) وحده ، بل بكل الانبياء لان قداسة القصة تشير الى وجود بنية سابقة تعي مفهوم الاسراء ؟
طرحنا لهذه التساؤلات المنطقية ستجرنا الى نتيجتين اثنتين فقط و واحدة هي الصحيحة، اما ان مدينة القدس كانت مقدسة منذ القدم من قبل الاديان الثلاثة ، و اما ان القدس حصلت على قدسيتها في تاريخ حديث نسبي عند جميع الاديان .
و البحث عن النتيحة الصحيحة سيقودنا بشكل مؤكد لفهم معنى القداسة بل فهم التاريخ الحقيقي للاديان ، و سنؤجل البحث عن النتيجة الصحيحة لمقال اخر .
معنى حالة القداسة للاماكن الموجودة الان في المنطقة لا تفسر ابدا الاديان التي سبقت الاديان الابراهيمية في المنطقة اطلاقا.
لانه لابد و ان الاديان السابقة كان لديها اماكن مقدسة ، لكن اين هي ، اختفت ؟، و هنا تكمن الصعوبة.
بل الغريب و الذي لا يثير تساؤلات من يكتبون في تاريخ المنطقة ، كيف ان اقدم نصوص كتابية في المنطقة وجدت في العراق و مصر و سوريا و اليمن و التي تحوي نصوص اديان قديمة و مختلفة و غير مترابطة حسب التفسير الغربي لنقوش المنطقة، لكنها ليست بدايات الاديان الحالية، هذا لو فكرنا وفق منهج التفكير الغربي القائم على النظريات التي تقول بان الاديان حاليا هي تطور لاديان سابقة حتى وصلت لهذا الشكل، و بان الانسان في القديم كان يؤمن بالهات متعددة حتى وصل للشكل النهائي و هو التوحيد .
منطقيا لابد و بانه كان هناك اماكن مقدسة للمؤمنين بالاديان القديمة التي وجدت في العراق و سوريا و مصر و اليمن و تونس … لكن اين هي ؟ . اجابة هذا السؤال تجعلنا نفترض افتراض منطقي :
اما انه كان هناك اماكن مقدسة داخل المحيط الجغرافي التي وجدت فيها النقوش ، و انتهت و اختفت قداستها مع الوقت او نقصت قداستها لصالح اماكن اخرى خارج محيطها مع ظهور الاديان الجديدة ، و اما ان الاماكن المقدسة كانت ايضا خارج الجغرافيا التي وجدت فيها تلك النقوش القديمة.
● اذا كانت الاماكن المقدسة للاديان السابقة التي عرفتها المنطقة قبل الاديان الابراهيمية موجودة ضمن المحيط الجغرافي التي اكتشفت فيها النقوش … فلماذا لم تستمر ؟
لو بحثنا في دول المنطقة، سنجد بان فيها مزارات دينية تحضى بقدسية كبيرة، لكنها لاتصل الى قداسة اماكن خارج محيطها الجغرافي .
فهل يمكن ان تكون تلك المزارات الدينية كانت هي الاماكن المقدسة قديما في اديان المنطقة القديمة، ثم بعد ذلك خفتت قداستها نوعا ما بعد ظهور اديان جديدة فسحبت قداستها لصالح اماكن خارج محيطها الجغرافي ؟
في البداية علينا البحث في نصوص النقوش القديمة التي اكتشفت في مصر و العراق و سوريا و تونس و اليمن و غيرها.
عندما نطالع نصوص النقوش القديمة ، نجد بان هناك اماكن عديدة ترد في كافة هذه النصوص و تتحدث عن اماكن مقدسة لكن لا نعرف اماكنها تحديدا مجرد احتمالات .
لكن هناك ملاحظة هامة .. لاي باحث في تاريخ المنطقة القديم، تقريبا … فجل نقوش المنطقة القديمة تتحدث عن رحلات مقدسة لالهات و ابطال و ملوك الى اماكن خارج جغرافيتها المحلية، و تدور كافة النصوص بالبدايات ، الا يمكن اذن القول بان الاديان السابقة كان لديها ايضا اماكن مقدسة خارج محيطها الجغرافي.
اعتقد بان تلك الرحلات الطويلة الى تلك الاماكن خارج جغرافيتها لا يمكن ان تتم في ذلك الزمن القديم لولا وجود قداسة كبيرة جدا لتلك الاماكن .
لقد وصلنا لجواب نهائي على السؤال السابق و هو ان الاديان القديمة كانت ايضا لديها اماكن مقدسة خارج محيطها الجغرافي .
هل يكفي ؟
● لكن هذه النتيجة المنطقية النهائية التي وصلنا لها لا تكفي لتفسير معنى قداسة المكان في المنطقة، لانه اذا كانت الاماكن المقدسة خارج الجغرافيا التي وجدت فيها النقوش القديمة، فاما انها اماكن مقدسة مختلفة و متعددة ، و اما ان جميع الاديان القديمة قبل ظهور الاديان الابراهيمة كانت ايضا تملك اماكن مقدسة واحدة .
عندما نطالع نقوش الاديان القديمة في المنطقة حسب تفسير علماء الغرب الذيين قاموا بفك نقوش المنطقة، نجد بانه في نقوش العراق هناك اكد و بابل و مصري و دلمون، و في نقوش مصر هناك صور و طيبة و هليوبولس و كاب و بلاد بونت ، و في نقوش تونس هناك صور ، و في نقوش اليمن هناك مقة و معين مصر.
الاسماء تبدو متعددة و مختلفة و لا يوجد فيها اشتراك ، الا في حالة مصر و تونس ، حيث يشتركان في اسم صور و الغريب انها صور تتعلق ببداية القصة الدينية، هذا من جانب و من جانب اخر هناك مصري في العراق و معين مصر في اليمن و التي تشترك مع اسم مصر، على اعتبار ان مصر محتفظة باسمها منذ القدم .
التفكير الاولي يبدو لنا بان الاديان كان لها اماكن متعددة و مختلفة حسب طبيعة الاديان و المعتقدات.
لكن لو وضعنا في بالنا احتمال كون ترجمات المستشرقين الغرب غير دقيقة، و وجود اخطاء في ترجمات و تفسير اسماء بانها مسميات اماكن ، و هو احتمال كبير جدا ، و وضعنا احتمال تبدل مسميات الاماكن مع الزمن ، فهذا سيجعلنا لا نعتمد الاسماء في عملية البحث ، لاننا سنصل لنتائج خاطئة جدا، معتقدين انها سليمة و سنبني على هذه الاخطاء تصورات خاطئة، و نحن نبحث عن الدقة و الاكثر صحة . لذلك اعتقد بان الطريق الاسلم لنا هو البحث في الاشياء المشتركة في جميع القصص التي تتحدث عن تلك الاماكن و عن طبيعة جغرافيا تلك الاماكن .
عندما نعيد قراءة النصوص التي تتحدث عن تلك الاماكن نجد هناك مشتركات كثيرة بين تلك الاماكن ، ففي جميع قصص رحلات الالهات و الملوك المدونة في نقوش المنطقة دائما ما نجدها تشترك في قصة عبور ماء، و في مواد مقدسة و في اخشاب .
و حسب مناهج التفكير القائمة على النظريات الغربية بكون القداسة جاءت من اطوار قديمة بدائية فانه من المنطقي ان نعتقد بانه كان هناك اماكن مقدسة في بقعة جغرافية واحدة لدى جميع الاديان القديمة في المنطقة .
نكون هنا قد اوجدنا حل لمعظلة اختلاف اسماء الاماكن في النقوش و بين طبيعتها الواحدة المحصورة في بقعة جغرافية معينة .
● لكن وصولنا الى هذه النتيجة المنطقية ، لا تكفي ايضا لاثبات معنى القداسة المكان في المنطقة، لانه اذا كانت الاديان السابقة قبل الاديان الابراهيمية كان لديها اماكن مقدسة واحدة خارج الجغرافيا التي وجدت فيها النقوش القديمة، فاما انها قد استمرت قدسيتها الى يومنا هذا، و اما انها قد اختفت و تبدلت لصالح قداسة اماكن جديدة .
اذا كانت الاديان الحالية حسب مناهج التفكير الغربي ماهي الا مرحلة متطورة للاديان القديمة البدائية في المنطقة ، فلا بد ان الاديان الحالية مازالت تحتفظ بقداسة الاماكن التي كانت مقدسة في القديم .
و لذلك فانه من المنطق اذا استمرت قدسية الاماكن في اديان المنطقة القديمة الى يومنا هذا، فلا بد ان تنطبق صفات و جغرافية تلك الاماكن على الاماكن المقدسة اليوم و تحديدا على مكة و القدس .
لكن عند القيام بعملية ايجاد تطابق او اشياء مشتركة بين صفات و خصائص تلك الاماكن سنجد بانها لا تنطبق بشكل قاطع على مكة و لا على القدس .
نعم لقد تبدلت الاماكن المقدسة التي عرفتها شعوب المنطقة قديما قبل الاديان الابراهيمية لصالح اماكن مقدسة جديدة في مكة و القدس ، هذا على افتراض صحة وجود اديان قديمة حسب تفسيرات المستشرقين الغرب .
لكن هذا سيدفعنا لطرح سؤال منطقي :
لماذا نعتقد بانها تبدلت لصالح اماكن اخرى ، لماذا لا نفترض باننا امام اديان جديدة و لها اماكنها المقدسة الخاصة بها و غير مرتبطة بالاديان السابقة ، و عليه فان التفكير وفق منطق ان الاديان الحالية هو تطور للاديان السابقة سيكون خاطىء.
قد نتقبل هذه الفرضية و بصعوبة شديدة
لكن هناك ملاحظة هامة لا ينتبه لها الباحثين و تجعلنا ننسف هذه الفرضية …. و هي ان موقع مكة و موقع القدس جغرافيا متطابقتان ، نعم متطابقان بناء على مرجعية واحدة . و اقصد بالتطابق الموقع و ليس الطبيعة الجغرافية ، فمكان مكة يشبه تماما مكان القدس ، و هذا العمل لا يبدو انه صدفة، مؤكد بانه كان هناك موقع جغرافي اخر بعيد عن المشهد و هناك من حاول اسقاط موقعه على مكان اخر بحيث يتطابق مع وصف ديني مقدس بحيث لا يجد المؤمنين اي تعارض بين نصوصهم المقدسة و الموقع الجغرافي .
الموقعان ليس صدفة ابدا .
——————
عندما كنت طالب في المدرسة الثانوية …..اتذكر اني في حصة اللغة العربية ، عندما كنا نقرا اشعار المعلقات السبع و كنا نعرف بانها سميت بالمعلقات لانها كانت تعلق بمكة ، كنت اجد صعوبة بالغة في الاقتناع بذلك التفسير حول سبب تسميتها بالمعلقات ، لان عالم و فضاء تلك الاشعار لا يبدو ان له علاقة بمكة من قريب او بعيد ؟ كنت اشعر بوحود خطاء في مخيلتي المرسومة فيها مكة و انا اقرا اشعار المعلقات ، لاني لا اجد اي ارتباط بين فضاء الاشعار و جغرافيا مكة .
كبرت و ثار السؤال في عقلي مرة اخرى …….. قد يكون اسمها المعلقات لسبب لا علاقة له بقصة تعليقها في جدار الكعبة . او ربما تم تسميتها معلقات لانها تعلق في جدار الكعبة لمنحها حالة من القداسة . او انها كانت من فضاء اخر بعيد و لا يمنع من تعليقها .
مرت الايام …..حتى اليوم الذي لم اكن اتخيل نفسي ساطرح السؤال الذي قادني الى فك احجية تاريخ المنطقة :
لماذا لا تكون اشعار المعلقات السبع فعلا كانت تعلق في جدار الكعبة ، لكن ليست هذه الكعبة بل كعبة اخرى ، لماذا لا تكون جغرافيا و فضاء اشعار المعلقات تصف جغرافيا الكعبة الحقيقية ؟
لا ياتي الحديث عن اشعار المعلقات الا و يتم استحضار كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي ، الكتاب الذي اثار ضجة كبيرة و تعرض كاتبه لتكفير لقوله ان الشعر الجاهلي كتب في فترة بعد الاسلام .
طه حسين بعد عودته من فرنسا و تاثره بالمنهج الديكارتي، جعله يشك في كون الشعر الجاهلي قد كتب قبل القران، و وضعها في كتاب مستدل بحقائق تاريخية و جوانب كثيرة في اساليب الشعر على مدى حقبه زمنية .
الكتاب بشكل عام لا يملك منهج متكامل يمكن من خلاله الاجابة على كافة الاسئلة ، و لم يناقش الامر باستفاضة كبيرة، و هناك جوانب كثيرة في الكتاب تتعارض مع بعض الافكار التي جاء بها . اعتقد ان الكتاب كان مجرد فكرة تحاول ان تفتح المجال لنقاش مستمر .
من بين تلك الحقائق التي تحدث عنها طه حسين كون بعض شعراء الجاهلية من اليمن ، لاننا من خلال الاطلاع على نقوش اليمن لانجد اهل اليمن كانوا يتكلمون لغة عربية فصيحة و كانت لغتهم الحميرية .
قد يكون طه حسين محق و صائب في قوله ان القران اول نص كتب بلغة عربية فصيحة ، و ان الشعر الجاهلي كتب بعد القران .
لكن طه حسين غفل عن حل معضلات كثيرة ، منها كون العرب من اليمن و مع ذلك لم يكونوا يتكلمون لغة عربية.
هذا من جانب و من جانب اخر، عندما يتحدث عن بيئة اشعار المعلقات فهو يتجاهل ايضا الحديث عن البيئة التي خرج منها القران الكريم و و هل تنطبق على بيئة مكة الحالية ؟
.
.
فرضية طه حسين حول تاريخ أشعار المعلقات و الحجج التي قدمها، انطلقت من مخيلة اديب يملك رواية تاريخية متعارف عليها و ، و ليست من عقل مؤرخ او باحث ، لان طه حسين كان عقله محصور في زاوية نص ادبي ، و لم يتعدى تلك الزاوية الى زاوية النص التاريخي ايضا.
● فهو مثلا لم يطرح مثلا سؤال عكس فرضيته هل النص التاريخي الذي وصل لنا قد كتب قبل ظهور الاسلام ام بعد ظهور الاسلام ام قبله ؟! . .. نعم .. مادام طه حسين قائم على منهج الشك ، فكل الاسئلة مطروحة و تحت النقاش.
● طه حسين لم يدر في عقله فكرة كيف ان اليمن بذلك الحجم الكبير من التراث التاريخي و الديني القديم و القريبة جدا من مكة ، لكن لا تاثير لها على مكة ابدا لغويا او دينيا ، لانه اعتقد بان لغة اليمن مختلفة عن لغة مكة .
● طه حسين لم يستطع ان يحل معظلة ، كيف ان رواية التاريخ التي يعرفها تذكر هجرة قبائل من اليمن و هي بداية استيطان مكة و المدينة، و مع ذلك يعتقد لغة مكة مختلفة عن لغة اليمن.
● كيف ان الرواية التاريخية تقول ان اصل العرب من اليمن و مع ذلك لغتهم ليست عربية فلا يمكن حسب اعتقاده ان تكون تلك الاشعار لغة شعراء من اليمن، لان لغتهم ليست عربية .
● طه حسين كان مثل البقية ، الزمن في عقله غير معالج ، فالزمن في عقله ظهر فجاءه بدون سابق انذار قبل 1400 سنة و بدا من مكة و هو يفترض بان ذلك التراث العربي الضخم من الادب و الشعر و التاريخ و اللغة كان نتاج 300 سنة ، اي خرج بعد 300 سنة من بداية ميلاد الزمن في مكة ، و مكة و محيطها يخصها ذلك التراث .
● طه حسين حين كان يفكر بالمسالة لم يدر في عقلة فكرة ان تكون مكة الحالية ليست الكعبة الحقيقة التي ذكرت في القران و ليست الكعبة التي كانت تعلق فيها الاشعار .
——————-
لنتوقف قليلا عن موضوع المعلقات ………. و لننتقل الى التراث التاريخي و ماذا قال عن كعبة مكة …….لكن قبلها احب ان انبه لنقطة مهمة و تتعلق بمسالة التراث.
انا عندما اتعامل مع التراث فانا افرق بين نوعين من التراث ، تراث شفوي شعبي و بين تراث نصي.
التراث الشعبي اتعامل معه بموثوقية اكبر من التراث النصي فهو لدي اكثر صفاء و نقاء و صدق ، لانك تستغرب فعلا عندما تقرا في كتب التراث عن اشياء و لا تجد لها اي اثر في تراثك الشعبي الشفوي . فتستغرب من اين جاء التراث النصي اذن ، لابد ان يكون قادم من تراث شفوي و تم تدوينه حتى وصل لنا، لكن لا تجد ، و هذا يطرح مسالة صعبة لدى البعض بأنه تراث بيئة محدودة في الماضي محصورة ضمن نطاق مكة و حولها و ليس تراث الجميع ، لكن حتى تلك البيئة لا يوجد لديهم حتى اليوم تراث شفوي او ذكرة شعبية في تلك الموضوعات . هم مثل البقية ينهلون من تراث النصوص . فمن اين جاء ذلك التراث النصي الكبير و ماهي مصادره، …. فهل يمكن ان يكون منقول من نصوص قديمة مترجمة و محرفة ؟.
—————————————–
كما هو معلوم فان كتب التاريخ تتحدث بانه في القديم كان للعرب كعبات عديدة تحج إليها في مواسم معينة وغير معينة ، وتقدم لها النذور والهدايا ، وتطوف بها ، وقد اشتهر من بيوت الآلهة أو الكعبات : بيت اللات ، وكعبة نجران ، و كعبة مكة ، و كعبة شداد الأيادي ، وكعبة غطفان ، بيت ذي الخلصة المعروف بالكعبة اليمانية ، و كعبة ذي الشري . و كعبة ذي غابة … الخ . لكن يقال بانه قد اجتمع لبيت مكة ما لم يجمع لبيت آخر في أنحاء الجزيرة ؛ لأن مكة كانت ملتقى القوافل ؛ بين الجنوب و الشمال ، و بين الشرق والغرب ، و بعضهم قال بان اهميتها زادت بعد عام الفيل، عندما جاءها ابرهة الاشرم و اراد هدمها فحلت عليه لعنة من الله و اوقفته .
و يقول العقاد حول تلك البيوت بأن هذه البيوت كانت محرمة ولها أيامها الحرام ، لكن بيت مكة بالتحديد أخذ في التمايز ؛ لموقع مكة العظيم على طرق القوافل التجارية جميعاً ؛ حتى جاء وقت أصبحت فيه مكة ملتقى تجارة العالم ، وأصبح أهلها أهم تجار الدنيا.
—————————————-
هذه تقريبا رواية مختصرة و شاملة لتاريخ الكعبات و مكة يتفق الجميع حول صحتها، و سنحاول تحليل و نقد هذه الرواية .
● رواية التراث النصي التي تتحدث حول وجود عدة كعبات قديمة قبل الاسلام ، انا ارى بانها رواية كاذبة و متعمد دسها.
ماهو الدليل ؟ .
انا انطلق من فكرة ان اسم كعبة مميز و لا نجد في تراثنا حاليا اي لفظة مماثلة لها ، بل لا يمكن استعارة اسم كعبة لشيء اخر في لهجاتنا فاسم كعبة لا ياتي في الذهن الا نحو شيء واحد . قد اتفق بانه كان هناك عدة بيوت للعبادة في القديم … لكن الكعبة .. فهي واحدة فقط . و اعتقد ان الامر متعمد تدليسه لاخفاء حقيقة قديمة مرتبطة بالعبادة ، لان الحديث عن كعبات هو لاظهار تصور بانه كان هناك اديان متعددة .
● الرواية تقول بان مكة كانت مركز تجاري و هو ما منحها الاهمية ، لكن الحقيقة لا تجد اشياء توحي بكون مكة كانت مركز تجاري.
بالمنطق فطرق القوافل لا يجب ان تمر بمكة ، لانها جبلية و ليست منبسطة حتى تناسب فعلا القوافل التجارية ، ثم ليس هناك اي دليل اثري حول طرق قديمة تمر من مكة ، و عندكم جوجل يستطيع ان يكشف لكم طرق تجارية قديمة ، ايضل لا يوجد اي شواهد اثرية قديمة في مكة تؤكد بانها كانت مركز تجاري قديم اطلاقا ، لا اثار و لا نقوش و لا بيوت قديمة و لا اثار قديمة و لا شيء .. فالبيوت القديمة الموجودة في مدينتي تبدو اكثر قدما من مكة بمئات السنين .
● العقاد يقول بان مكة اشتهرت بالتجارة ، و كان سكانها اكبر تجار الدنيا ، اذا كان العقاد محقا بكلامه طبعا و هو يقول هذا بناء على رواية التاريخ المشهورة ، فتستغرب فعلا بانه لا يوجد ما يدل على ثقافة التجارة لدى سكان مكة حتى اليوم، لاني اعتقد بان هذه الامور تدخل في جذور الثقافة المحلية و تضل متوارثة و قائمة و لا تختفي .
● لماذا لم تستطع رواية التراث السابقة اختصار موضوع قداسة مكة بسهولة و يسر ، بالقول ان اهمية مكة الدينية هو الذي جعلها مركز تجاري و محل اهمية تجارية ؟! ……. لماذا لا نفترض ان كونها كانت مركز ديني هو الذي منحها اهمية تجارية ؟! .
لان هذا الرواية تريد ان توصل لكم رسالة غير مباشرة ، بانه لم يكن العرب على دين واحد قبل الاسلام ، بل كانوا يعبدون الهات كثيرة، و كان لهم اديان كثيرة
● كيف يعتقد المسلم ب ان اول بيت اسس على التقوى و لعبادة الله ثم يفترض انه كان مكان عبادة اصنام، اليس القران بالنسبة للمسلم النص الذي لا يعلو اي نص عليه كحقيقة مطلقة .. فكيف يعتقد برواية تاريخية قد تكون مزورة و مدلسة و تنفي معتقده و تدنس حقيقة التوحيد في مخيلته الذي جاء القران يوضحها .
● هناك مشكلة هامة في الزمن و تؤدي الى تناقض في وعي المسلم و يعبر عنها العقاد بشكل واضح، عندما يقول ان مكة اكتسبت اهميتها من كونها كانت محطة تجارية.
فالمسلم عندما يقرا هذا التاريخ حول مكة و الذي جاء له من السيرة و كتب التراث، فهو يتحول الى شخص غير مسلم و لا يحمل مخيلة مسلم، فهو ينظر الى تلك الرواية على انها نص سابق للاسلام و غير مقدس و تنتقل مخيلته بالزمن الى ما قبل الاسلام، و لذلك فهو لا يستطيع ان يقول ان مكة اكتسبت اهميتها من كونها البيت الحرام الذي بناه ابراهيم، لانه يعلم بان قبل الاسلام لم يكن احد يعلم شيء حول ابراهيم او الله او التوحيد .. و كان الناس وثنين، لكنه بعدها عندما يخرج من هذا الزمن و يعود للنص القراني ، فهو يتحول الى شخص مسلم و يصبح بمخيلة مسلم مؤمن، و عندما يقرا القران فهو ينظر اليه كنص مقدس جاء بعد تلك الرواية التاريخية ، و بان اهمية مكة من كونها اول بيت لله البيت الحرام الذي بناه ابراهيم في زمن قبل رواية التراث تلك.
مشكلة فعلا …….كيف نحل هذا التناقض الحاد عند المسلم في تفسير اسباب قداسة مكة ؟ …
يجب على المسلم ان يختار رواية واحدة من بين الاثنتين ، و ستكون الرواية الاخرى كاذبة . فلو اختار رواية المركز التجاري ، فهذا يعني بان القران روايته كاذبة و لو اصر على ان القران صادق فهذا يعني بانها ليست الكعبة الحقيقية ، اما لو اختار رواية القران فيجب ان يؤمن بان رواية المركز التجاري كاذبة ، و عندها يتطلب منه طرح سؤال منطقي من وضع تلك الرواية و ما غايتها ؟
لاننا اذا افترضنا كون بداية اهميتها جاءت من التجارة ، فهذا ينفي كونها اهمية دينية، و ينفي كونها البيت الحرام، و ينفي و يكذب النص القراني ايضا بكون اهميتها من كونها اول بيت اسس على التقوى .
سنقوم بحل هذا التناقض الفكري الذي يسببه الزمن
سنحاول ان نبقى داخل الزمن قبل الاسلام و لا نخرج منه ، حتى لا يحدث تناقض لدينا ، و نفتش حسب الرواية التاريخية عن رواية اخرى و كعبة اخرى تاتي بعد مكة في الاهمية و نبحث حولها، فربما هي تحل لدينا مشكلة التناقض الفكري بين زمن ما قبل الاسلام و زمن ما بعد الاسلام حول اهمية مكة .
الرواية التاريخية تتحدث بانه كان هناك كعبة اخرى هي الكعبة اليمانية ( ذي الخلصة) ، و بانها كانت ثاني كعبة بعد مكة من حيث الاهمية و الشهرة .
سانقل لكم نصوص كما هي، من داخل كتب التراث تتحدث حول الكعبة اليمانية الخلصة .
—————-
يتبع ..