طه حسين لم يستخدم منهج الشك بصورة جيدة و شاملة ، تركز على الشك بموروثة و اقتصر على نص ادبي و لم يذهب بعيدا الى النص التاريخي و الجغرافيا . بل لم يتعدى ايضا الى موروث الغرب فلم يشك برواية التاريخ الغربية للمنطقة و لم يشك بامكانية وجود كيان شيطاني في الغرب قام باكبر خدعة تاريخية و اجتهد خلال قرون طويلة على تزوير تاريخ المنطقة .
اين كانت الصعوبة في تفكير طه حسين
● طه حسين يعتقد بان مكة تلك البقعة الصغيرة مسؤولة عن اللغة العربية و هي السبب وراء ان يكون لسان المنطقة كلها عربي ، بما فيها اليمن ، و لان معظم شعراء المعلقات من اليمن فمستحيل ان تكون الاشعار على لسان سكان اليمن، لان نقوش اليمن تؤكد انهم يتكلمون لغة حميرية مختلفة …. لكن لماذا لم يشك وفق منهجة ..و يطرح سؤال لماذا لا تكون نقوش اليمن مزورة مثلا ؟
● ماذا لو كانت الكعبة الحقيقية في اليمن ؟
لو كانت في اليمن ، ربما استطاع طه حسين فصل المسالة نهائيا ، ليس طه حسين بل المنطقة كلها ، و لما اصبح مصير المنطقة هكذا .
لان قديما كان هناك عقل شيطاني …….. لو استمرت الكعبة في اليمن ستنكشف لعبة تزوير نقوش المنطقة، لانه ساعتها سيكون من المفروض و المنطقي بان تكون نقوش اليمن بلغة عربية فصيحة لانها بيئة القران ، و لو تم تزويرها ستنكشف اللعبة بسهولة جدا .. فمن اين جاء القران ؟ ، ايضا لان الكعبة في اليمن نجد لها ذكر واضح جدا في نقوش المنطقة ، و عندها سيكون من الطبيعي القول بانه كان هناك عقيدة واحدة و لغة واحدة ، و سيصعب عندها تزوير نقوش بقية المنطقة.
ما الحل ؟
ذلك العقل الشيطاني فكر …… لا يوجد حل الا نقل الكعبة الى مكان مختلف خالي من النقوش و الاثار ، مكان جديد و ليس له ذكر في نقوش المنطقة ، حتى يصبح القران و الاسلام حدث جديد و كانه خرج من فضاء لا يمت بصلة للمنطقة ابدا، حالة جديدة صرفة ، ظاهرة جديدة .
لانه كما قلت لو كان القران خرج من مكان ممتلىء بالنقوش و الاثار فمن الطبيعي ان يكون هناك امتداد تاريخي قديم للغة القران و لدين القران ، و عندها سنجزم بان تلك الاثار بمنطوق عربي ، و بان عقيدة نقوش المنطقة لابد ان يكون لها امتداد مع دين القران
ذلك العقل الشيطاني فكر ….. الكعبة ستكون في مكان لا توجد له اي اشارة قديمة في نقوش المنطقة ، حالة جديدة صرفة ، عندها يسهل تزوير نقوش المنطقة بسهولة .
ذلك العقل الشيطاني فكر ……. سنصنع زمن جديد للمنطقة يولد من مكة ………….و نقضي على زمن المنطقة تماما، سنسقط زمن المنطقة …… زمن يشعر فيه سكان المنطقة بانهم ظاهرة جديدة ليس لها امتداد تاريخي ابدا ابدا ، ظاهرة لا علاقة لها بنقوش المنطقة سنصنع لهم رواية تاريخية تتحدث حول زمن يسبق الاسلام ، رواية كلها عبادات اصنام و الهات ، و سيكون الاسلام هو فكرة جديدة في عقولهم .
ذلك العقل الشيطاني فكر …. مكة هي الحل .. منطقة خالية من اي نقوش و اثار و جرداء ……. و ستكون هي رواية الزمن الجديد للمنطقة .
ذلك العقل الشيطاني فكر … بعد ان ننقل الكعبة ، سنغرقهم بكتب مليئة بقصص عبادة الهات و اصنام عديدة و كثيرة بالالاف ، و نقول لهم و بانها موجودة و مذكورة في نقوش المنطقة.
ذلك العقل الشيطاني فكر ……….. لو استمرت الكعبة في اليمن فسيكون من الطبيعي ان يعتقد الجميع ان هناك امتداد للعقيدة في الزمن الماضي و ليست حالة جديدة .
نعم
لو استمرت الكعبة اليمانية (الخلصة) في اليمن لما سقطت المنطقة اطلاقا داخل زمن روما الوهمي الشيطاني ، فنحن الان نعيش داخل زمن روما الذي تم صناعته من قبل عقل شيطاني .
لو استمرت في اليمن لما كان ليحدث هذا الخلاف الحالي التاريخي و الديني اطلاقا في المنطقة .
لو استمرت في اليمن …. ستنكشف لعبة ابليس الكبرى .
{قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلا عبادك منهم المخلصين (83)} [ص : 82-83]
{وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} [ابراهيم : 46]
———————–
سنحاول البحث عن الكعبة الحقيقية بطريقة عكسية . كيف ؟
سنحاول البحث عنها في اساطير اليونان التي كتبوها عن المنطقة ، و نحاول التقاط الحقيقة بعد تفكيك بنية تلك الاساطير …هذه الطريقة ستقودنا الى عرض حالة اخر تتطابق كثيرا مع الحالة الخاصة بفجوات الزمن الديني التي تحدثنا عنها في مقالاتنا السابقة . و فضلت اختيارها تحديدا و ربطها بموضوعنا حول مكة و القدس ، حتى تكون ارضية نبني عليها بثقة تصورنا لانها اكثر سهولة و ليست شائكة لعدم ارتباطها بروايات دينية مختلفة ، هذا الحالة حول ثلاث روايات اسطورية لمكان معين و تمثل بالنسبة لي ايضا ثلاث فجوات زمنية .
لكن قبلها يجب تعريف الاسطورة
ماهي الاسطورة ؟
احب ان انبه الى نقطة مهمة جدا ، بان لفظة الاسطورة التي ترد في القران الكريم لا تعني اطلاقا القصص ، فلفظة اساطير الاولين في القران لها معنى مختلف تماما، و لهذا السبب فكرت ان استبدلها بلفظ اخرى لمنع حدوث التباس ، لكن الامر سيطول و فضلت ابقاءها لانه ستتطابق مع المعنى لدى الكثير .
لدي تعريفي الخاص للاسطورة ، لكني افضل ان اكتبه في نهاية المقال ، بعد ان نتعرف على المتعارف عليها في معنى الاسطورة ، و نسير وفق المنهج الحالي في فهم الاساطير .
يقول المؤرخ احمد داوود عن الاسطورة : الأسطورة سجل حقيقي لأحداث تاريخية معينة خضعت في كثير من الأحيان لمحسنات في اللغة والأسلوب والخيال الشاعري مع الاحتفاظ الأكيد بالمادة التاريخية المراد تدوينها, وتخضع للبحث والتمحيص قبل أن تعتمد وتحفظ في المعابد كجزء أساسي من التراث ينهض بأدوار تعليمية وتربوية ودينية. الأساطير القديمة تعكس أحداثاً تاريخية حقيقية وعلى الباحث والمؤرخ وحده أن يعرف كيف يستنبط منها المادة التاريخية.
أما الخرافة: حكاية شعبية من صنع الخيال تتفاوت في مستوياتها الفكرية والذوقية من بيئة متخلفة إلى بيئة أكثر تمدناً يتناقلها الناس عبر الأجيال فيضيفون إليها وينقصون منها لتخرج في النهاية إنتاجاً شعبياً شفوياً في معظمه.
هناك من يعرف الاسطورة بانها حكاية مرتبطة بالالهات القديمة و بان شخصيات الاسطورة كانت في الاساس الهات قديمة عبدها البشر و هي حكاية على لسان الالهات ، اما شتراوس فيقول ان الاسطورة تتكون من ثلاثة اشياء الهيكل و الرموز و المعنى .
اما المفكر لوكاتش قدم لنا مفهوم جديد و هو البنى الفوقية و الذي يقصد به : اشكال الوعي العليا المتمثلة ب (الدين و الاساطير و الفن )، و التي لا يمكن ازالتها من اي مجتمع اطلاقا، و هذه البنى الفوقية تمنح وجودها على الواقع مع كل تحول او تطور في البنى التحتية للمجتمع و تتخذ صور شتى و عديدة مع مرور الزمن.
و عليه فالاسطورة بنية فوقية، وعي علوي ، لا يمكن ازالتها من اي مجتمع، الاسطورة تستمر بتاثيرها على طول التاريخ ، لكن يمكن ان تتخذ الاسطورة شكل جديد لها غير الشكل الاول، مع احتفاظ الاسطورة ب بنيتها (الهيكل) الاساسية .
الاسطورة مثل اللغة …كائن حي يتطور مع الزمن. فكما تتطور مفردات و تراكيب اللغة مع احتفاضها بالقاعدة ، فان الاسطورة تتطور فيها رمزيتها و و شخصياتها و سيناريوهات الحكاية مع احتفاظها بالبنية الاصلية.
هل يمكن التوضيح أكثر ؟
سنحاول التعرف على الاسطورة اكثر عبر مثال يتحدث عن ثلاثة اساطير تدور في مكان واحد، اسطورة قديمة و سنشاهد كيف حدث لها تحولات على مر التاريخ مع بقاء بنيتها الاساسية .
الاسطورة هي اسطورة تاسيس مدينة قرطاج .
ملاحظة مهمة : هذه الاسطورة منقولة من اليونان و نجهل ان كان حقا هذا الاعتقاد كان موجود، لانه لا يوجد في تراثنا و ارشيفنا المحلي ما يؤكد هذا الكلام ، و ليس لها نقوش تؤكدها، و يمكن لنا القول باننا نجهل الحقيقة الاصلية …… لانه لا يوجد اهتمام في تنقيب الاثار، و مع ذلك و بالرغم من ذلك فانا اعتقد بان شكل الاسطورة الاولية لن يكون من الصعب تخيلها لانها ستكون مشابهة لبقية اساطير و اديان المنطقة القديمة ، و سيكون الاقرب لها اسطورة ايزيس و اوزريس و حورس.
1- الاسطورة تتحدث عن ملكة اسمها عليسا ابنه ملك صور تخاصمت مع اخوها و الذي ايضا قتل زوجها ، فقررت ان تغادر موطنها مع كنوزها وبعد رحلة طويلة، أرست السفن على ساحل شمال أفريقيا في تونس الحالية. وقررت انشاء مدينة سمتها قرطاج أو “قَرْتْ حَدَشْتْ”. و تقول الأسطورة الأولى التي كتبها مؤرخي اليونان أن عليسا فاوضت حاكم البلاد لمنحها أرضا تبني عليها مدينتها غير أن الملك أبى أن يمنحها أكثر من مساحة جلد ثور فقبلت عليسة ذلك أمام دهشة مرافقيها، إلا أن الأميرة كانت تضمر خطة ذكية ستمكنها من بلوغ مدينة قرطاج. فقامت عليسة بقص جلد الثور إلى أشرطة دقيقة طويلة أحاطت بمساحة الهضبة ، ثم طلب ملك البلاد الزواج من عليسا، ولما كانت الأميرة عازمة على البقاء وفية لذكرى زوجها وخوفا من أن يجلب رفضها دمارا للمدينة آثرت الانتحار محافظة بذلك في الوقت نفسه على عهدها لزوجها و على المدينة التي أسستها.
هذه هي الاسطورة كما نقلها اليونان ، لكن لاحظ الى الاسطورة ملكة يقتل زوجها على يد اخوها ، كما في قصة ايزيس و اوزريس و حورس تقريبا ، فتغادر الى مكان و تخط مدينة بجلد ثور، ثم تنتحر لانها رفضت الزواج من حاكم البلاد وفاء لزوجها .
الان لننتقل لنفس الاسطورة لكن بثوب مختلف و تحكي عن تاسيس افريقيا( تونس ).
2- الاسطورة تحكي عن ملك حميري اسمه افريقيس اتجه الى إفريقية، فافتتحها وقتل ملكها، وأسكنها من قومه من البربر .وسميت تونس افريقيا نسبة له و هو نفس تسمية تونس قديما .
الان لاحظ معي كيف اصبحت الاسطورة ، ففي هذه الاسطورة اصبحنا نتحدث عن ملك و ليس ملكة ، و هو من خط تونس افريقيا و نسبة له ، و هذه المرة لم يمت او ينتحر بل قتل حاكم البلاد .
لاحظ معي التطابق بين رموز الاسطورة الاولى و الثانية
● بطل الاسطورة الاولى ملكة، و بطل الاسطورة الثانية ملك
● فمازلنا ندور في نفس المكان و الجغرافيا قرطاج و تونس
● و هناك ملكة في الاسطورة الاولى و هناك ملك في الاسطورة الثانية ،
● و الملكة هي من خطت قرطاج و الملك هو من خط تونس ( افريقيا )
لكن الاختلاف بين الاسطورتين
● ان في الاسطورة الاولى اسم المدينة لم يكن على اسم الملكة ، عكس الاسطورة الثانية .
● و في الاسطورة الاولى تطلب الملكة من حاكم البلاد ارض ، فتنتزع ارض بحيلة ، و في الاسطورة الثانية ينتزع الارض بالقوة،
● في الاسطورة الاولى تنتحر الملكة و يبقى حاكم البلاد ، و في الاسطورة الثانية لا يموت الملك بل يقتل حاكم البلاد.
● اخر اختلاف هو الموطن الاصلي لبطل الاسطورة ، فالموطن الاصلي للملكة في الاسطورة الاولى هو صور لبنان ، و الموطن الاصلي للملك في الاسطورة الثانية هو ارض حمير .
لكن هناك ملاحظة : لاحظ معي بان اسم افريقيس تبدو لفظة يونانية ، فهو اسم غير متداول ، خصوصل و ان حرف الفاء اداة تعريف في اللغة اليونانية ، و حرف ( س ) في نهاية الكلمة و هي شائعة في اللغة اليونانية .
هذا يجعلنا نطرح سؤال مهم: هل تراثنا كان معظمة ترجمات من كتب يونانية ، و هل قمنا قديما بترجمة كلمة ( فينيق ) من كتابات اليونان الى لفظة ( حمير ) ؟
و الان لننتقل لنفس الاسطورة لكن بثوب مختلف عن الاسطورتين السابقتين و تحكي عن تاسيس مدينة القيروان .
3- الاسطورة تحكي عن فتح الاسلامي لافريقيا و عن قصة القائد عقبة بن نافع الذي فتح افريقيا و غادرت الطيور و الحيوانات بعد ان دعى الله و خط مدينة القيروان .
ثم جاء ابن خلدون و اضاف للاسطورة قصه عقبة مع حاكم تلك المنطقة كسيلة عندما امره ان يذبح الكبش بنفسه، فيغضب كسيلة فتجري مراسلات مع الإفرنج ودلوه على الفرصة فجمع جيش و اتبعوا أثر عقبة وأصحابه، ثم تجري معركة بين الاثنين عند اسوار المدينة و يقتل عقبة على يد كسيلة في مبارزة فردية .
الان لاحظ اوجه التشابة بين الاسطورة الثالثة و الاسطورتين السابقتين .
● في الاسطورة الاولى ملكة ، و في الثانية ملك و في الثالثة قائد عسكري يحمل تبجيل ديني .
● مازلنا ندور حول جغرافيا تونس …….. في الاسطورة الاولى يتم تخطيط مدينة قرطاج و في الثانية مدينة افريقيا و في الثالثة ي تم تخطيط مدينة القيروان .
● و مع اضافة من ابن خلدون جعل الاسطورة مختلفة ، فهو يقول بان عقبة يطلب من حاكم البلاد ان يسلم ، و في الاولى تطلب من حاكم البلاد ارض .
● في الاسطورة الاولى تاخذ جلد ثور، و في الاسطورة الثالثة يطلب من حاكم البلاد ان يذبح كبش ، فيقوم حاكم البلاد بمسح وجهه بجلد الكبش.
● في الاسطورة الاولى تموت الملكة بالانتحار رفضا لطلب الحاكم منها الزواج، و في الاسطورة الثالثة يموت القائد قتلا على يد حاكم البلاد .
● هناك ملاحظة لاحظ كيف ان اسم الملك الحميري افريقيس يتطابق مع اسم مدينة القيروان لكن بالمعكوس
افريقيس = ريق ( لان حرف الفاء اداة تعريف و السين اظافة لا معنى لها في اللغة اليونانية )
معكوس ريق هو قير
قيروان = ريق = قير ( الالف و النون ايضا لاحقة موجودة في لهجات المنطقة قديما مثل شمسان و هي شمس )
هناك ملاحظة حول الاسطورة الثالثة :
كانت الاسطورة تسير بشكل هادىء و لا يثير الحنق و السخط فعقبة خلال التاريخ يبدو رجل بطابع اخلاقي ، حتى جاء ابن خلدون و قام بمنح الاسطورة شكل قبيح و مستفز بشكل متعمد تماما. فابن خلدون اراد صناعة تاريخ مستفز و ربطها باوروبا في جوانب عديدة .. فهو يمنح روما جانب اخلاقي بمساعدة كسيلة الذي تعرض للاهانة و الانتقاص من بطل اسطورة ، ثم يقوم ابن خلدون بمنح شخصية كسيلة لقب جديد و هو الاوربي ( كسيلة الاوربي)، لقب جاء من كلمة اوروبا .. الاوروبي ……. اما النقطة الاخرى و هي الاهم بالنسبة لي فهو يستعير من الياذة هوميروس اليونانية اشياء كثيرة …. فهو يستعير منها المبارزة الثنائية بين هكتور و اكيلس، و يجعلها المبارزة الثنائية بين عقبة و كسيله، و لا يحتاج شخص الى ذكاء ليعرف بان كسيلة ماهو الا اكيلس و عقبة ماهو الا هكتور …. حتى اسم كسيلة مقارب منطوقه لاسم اكيلس، ( كسيله = اكيلس) ، حتى في طريقة مسح جلد الكبش فهو يستعير من الياذة هوميروس طريقة مسح اكيلس وجهه بثوب صديقة الذي قتله هكتور ، اشارة على انه سينتقم من هكتور.
هذا يجعلنا نطرح سؤال مهم : هل كان ابن خلدون ساعتها يعتقد ان مدينة طوروادة هي نفسها مدينة قورطاجة حتى يستعير من الياذة هوميروس، حتى نطق المدينتين متشابه ايضا. ( قورطاج = طوروادة ) مع العلم بان هيرودوتس تحدث في تاريخه عن سكان تلك البلاد و بانهم يتحدثون عن اصولهم القادمة من طوروادة ، ام ان ابن خلدون كان يقوم فقط بنقل روايات تاريخية من كتب يونانية ؟
● تبقى نقطة مهمة جدا مشتركة بين الثلاثة اساطير ، و هي اليونان. ففي الاسطورة الاولى نجد بانها منقولة من اليونان ، و اما الاسطورة الثانية فهي تتحدث عن ملك حميري و من اسمه يبدو انه اسم يوناني، في الاسطورة الثالثة نجد ايضا ملامح لترجمات يونانية .
كانها روايات خرجت من عالم و اساطير اليونان
اما اوجه الاختلاف و عدم التطابق ما بين الاسطورة الثالثة و بين الاسطورتين السابقتين
● فالموطن الاصلي لبطل الاسطورة الثالثة هو مكة ، و الاولى صور و الثانية هي حمير .
الان لنقوم بتشريح الاساطير الثلاث
و فق تعريفنا السابق للاسطورة، لابد ان تكون الاساطير الثلاث من اصل اسطورة سابقة مرتبطة بالالهات القديمة و اما الشخصيات الموجودة في الاساطير الثلاث هي صور متعددة للالهات القديمة .
لكن اذا كانت الاسطورات الثلاث من اصل واحد ، فكيف نفسر عدم وجود تتطابق بينها في جوانب عديدة؟
عند مراجعة الاساطير الثلاث ، سنجد بان العالم الاول يبدو اكثر فانتازية ثم ننتقل الى الاسطورة الثانية فتخف الفانتازية ، حتى ننتقل للثالثة لتبدو اقل فانتازيا . كيف نفسر هذا ؟
هل قدم الزمن يجعل احداث القصة اكثر بعد عن الواقع ، فتكون اكثر فانتازيا ، اذا كان الامر كذلك ، فععندها نعتقد ان قدم الزمن يجعل نسبة التحريف اكثر و اكبر . و بالاساس هي اسطورة واحدة فقط .
عند تشريح الاساطير سنجد انها تتكون من هيكل و رموز و معنى و رسالة الاسطورة ، فهيكل الاسطورة هو (العقيدة)، اما رموز الاسطورة فهي مكونة من ثلاث :
1- تاسيس المدينة
2- هجرة سكانية الى هناك
3 – اصل عقيدة المدينة الدائمة
الاسطورة لم تتفق حول الاصل، لذلك دعونا نحاول اعادة قراءة الثلاث اساطير و نصححها .
فالاسطورة الاولى التي نقلها اليونان تتحدث عن اصل الملكة من صور لبنان ، لكن دعونا نعتمد الاسطورة الاقرب زمنيا ، حول موطن الاصلي للملك افريقيس و هو حمير ، فهل نستطيع ان نضع صور في حمير ؟ . طبعا يمكن لان هناك صور ايضا في اليمن .هنا نكون قد وصلنا الى تطابق في الاصل بين الاسطورة الاولى و الثانية ، حول اصل المؤسس، و حول الموطن الاول لسكان المدينة و هو اليمن ، و هناك ملاحظة عندما اقول اصل السكان ، فاني اقصد الجغرافيا الام التي ولدت فيها العقيدة .
هذا يعني ان عقيدة سكان تلك المنطقة ستكون دائما بالتوازي مع اليمن، فمصدر العقيدة ياتي من حمير .
الان لاحظ الاسطورة الثالثة كيف تربط بين مؤسس مدينة القيروان و بين العقيدة ، و كيف اصبح هذا الرجل يحضى بقدسية في شمال افريقيا، لاحظ كيف تسير اسطورة عقبة بشكل متوافق مع الاسطورة الاولى و الثانية و ليس انحراف، فمؤسس المدينة دائما مرتبط بالعقيدة، فكل من يبني و يخطط المدينة فهو يؤسس لزمن جديد للعقيدة ، و كل زمن ياتي على تدمير الزمن الاول و تدمير البناء الاول .
هناك نقطة اخرى مهمة جدا في الثلاث الاساطير و هي رمزية حاكم البلاد قبل دخول الالهة ، فالكثير يقرا الاساطير بعقل منطقي، و الاسطورة لا تقرا وفق المنطق ابدا ، فكثيرا ما اقرا من كتابات البعض حول اسطورة من عليسا الى الملك الحميري الى عقبة يدخلون زوائد لها غير صحيحة ا ، فمثلا يكتبون ان حاكم البلاد في اسطورة عليسا ملك بربري ، على اساس ان هناك سكان كانوا في تلك المنطقة و لديهم حاكم، بالرغم من ان الاسطورة لا تقولها ، لكن يدخلون هذا الشيء للاسطورة لايجاد تقسيم بين وافد و اصيل، و بالرغم من ان اسطورة الملك الحميري الذي قتل ملك افريقيا تتحدث انه اسكن البربر هناك .
فحاكم البلاد في اسطورة عليسا، هو رمزية لالهة مختلفة فقط، و مادام انها الهة مختلفة فالبعض سيقول لابد ان هناك شعب يعبدها ، و الامر ليس كذلك ، انما هي الهة افتراضية تدل على انتصار الالهة الحقيقية على الالهة الافتراضية . فهذا الامر يشبه طقوس وضع القران في الاماكن المهجورة لطرد الجن التي تسكنها، و هذا الامر تتحدث عنه الاسطورة الثالثة حين دخل عقبة تونس نادى على الوحوش و الحيوانات باسم الله كي تغادر الارض .. و بالفعل فرت من تلك الارض. القدماء كانوا يفترضون ان الجبال و الوديان الهات ، و اسطورة عليسا تتحدث عن هضبة كبيرة التي بني حولها قرطاج ..كانت الهضبة هي حاكم البلاد .
كان القدماء يرون بان الارض الجديدة فيها الهات تحكمها و الانتصار على تلك الالهات يتم بجعل تلك الارض بعقيدتهم الحقيقية، و لا بد من توزيع اجزاء من الالهة الحقيقية على كامل الارض ، ففي اسطورة اوزريس المصرية يتم توزيع اجزاء من جسدة على كامل تراب مصر بمعنى ان العقيدة ستكون واحدة في كافة تلك الارض و هي عقيدة اوزريس ، و نفس هذه الطريقة و القصة، وقعت في اسطورة عليسا عندما قامت بحيلة و قسمت جلد الثور اجزاء صغيرة و حازت على مساحة جغرافية كبيرة ، فالثور هو رمز الالهة الجديدة، و كما نعلم بان الثور رمز قديم موجود في كل اديان المنطقة القديمة، و للتدليل على ان العقيدة الجديدة ستكون على كامل تلك المساحة الجغرافية الكبيرة .
و لم يكن فاتحي شمال افريقيا في التاريخ الاسلامي الا الشعب الذي قدم مع الملك الحميري و هو نفسه الشعب الذي قدم مع الملكة عليسا . لكن الاسطورة تغير شكلها و تطورت لتتخذ سيناريو و شخصيات مختلفة لكنها تحمل نفس البنية .
نحن امام ثلاثة اساطير، تملك نفس البنية و تحكي عن العقيدة ، لكنها تتخذ اشكال مختلفة .
هل كانت قورطاج التاريخية هي نفسها القيروان حاليا ، هل اخطا المؤرخون في اعتقادهم ان قرطاج في مكان اخر ؟
بدون ادنى شك لدي …. قرطاج التاريخية ليست الا مدينة القيروان الحالية ، و ما يطلق عليه قبر و مرقد عقبة بن نافع هو بالاساس مكان ديني قديم …….. لبنية فوقية قديمة في تلك المنطقة…اقدم من 1500 سنة، لكن رواية التاريخ الجديدة حاولت تمنحه شكل جديد و صورة جديدة لقداسة قديمة جدا و هو ربط هذا الرجل الاسطوري ببناء هذه المدينة التاريخية، و هذه المدينة التي هي رمزية العقيدة في كل وقت.
لكن من يكون عقبة و ما علاقته بتلك الالهة القديمة ؟
القيروان لها اسم اخر ( قورينا) و اعتقد ان الاسم جاء من اسم قورينع (بلهجة قديمة)..و هي تسمية طائر العنقاء ( العقاب) .
قورينا في ليبيا يقال انها موطن القديس سمعان القيرواني ، لاحظ كيف ان تسمية قورينا اصبحت قيروان …و قد قال لي ليبي انها كانت تسمى قيروان لذلك سمي القديس بذلك الاسم .
و هذا يعني ان قورينا هي نفسها قيروان..وهذا يعني ايضا ان قيروان في تونس اصلها قورينا…لكنها بلسان و لهجة مختلفة يتبدل النطق و هذا الشيء معروف في اللهجات القديمة و الحالية في ابدال حرف النون الاخير للتعريف.
قورينا ……. قور – ينا …….(ليبيا)
قورطاج ….. قور – طاج …..(تونس)
قورطبه ….. قور – طبا …..(اسبانيا)
غورناطة …. قور – ناطا ….(اسبانيا)
قيروان ……. قير – وان ……(تونس)
قرويين …… قور – ويين ….(المغرب)
كلها من اصل تسمية واحدة …. و اصلها قورينع …طائر العنقاء ..طائر العقاب. .
كلها مدن سميت نسبة لطائر العنقاء و الذي كان مبجل عند القدماء ، فكل مدينة يبنوها هي بالاساس هي عش لطائر العنقاء …فالمدينة هي عش ، فالقيروان هي اصلا عش العقاب .
و الان استطيع الجزم … بان عقبة ليس الا طائر العقاب جاء نترجمة يونانية ، و استطيع الجزم ايضا و بشكل قاطع بان المعركة التي دارت بين عقبة و كسيلة هي نفسها المعركة حسب ترجمات الغرب و التي دارت بين الاله حورس(الصقر) مع الاله ست (الكلب) في ديانة مصر القديمة و لكن بشكل متطور و احدث ( ديكور مختلف ).
عقبة اصلا هو طائر العقاب ( العنقاء)
ف الملكة عليسا = الملك الحميري = الفاتح عقبة = طيور العنقاء
و قرطاج = افريقيا = القيروان = بدايات الاستيطان البشري الاولى
و عليه فلابد ان يكون الموطن الاصلي للابطال واحد
صور = حمير = مكة = مركز العقيدة
فهل مكة الحالية هي مركز العقيدة القديمة ؟
لابد ان يكون مركز العقيدة في حمير
لابد ان تكون بكة في اليمن
لماذا اقول اليمن ؟!
لكن قبلها …. يجب ان اتحدث في موضوع اصبح ضروري و جاء الوقت المناسب للحديث حوله.
نحن نعيش اليوم في عالم مفاهيمه مختلفة تماما عن مفاهيم الماضي ، نحن نشهد تحول في مفاهيم كثيرة لم يكن القدماء يعرفونها ، فمفهوم الوطنية و الحدود السياسية لم تكن متواجدة قديما ، زمان كانت الارض واحدة … و الناس امة واحدة .. و لم يكونوا يعرفون منطق انا مصري و انا عراقي او انا سوري او انا يمني … لان هذه التسميات اصلا لم تكن موجودة قديما … هي اسماء سميناها نحن في زمن قريب نسبي.
اقول هذا …. لان الامر أصبح مثل المرض … هناك منافسة و مبارزة و سباق في التاريخ من يمجد تاريخ بلاده .. و التاريخ كتبه و شارك فيه كل شعوب المنطقة اصلا ، لكن لان وضعنا الدولي فرض علينا حدود سياسية ، و لولاه لكانت المنطقة جغرافيا سياسية واحدة ، و هذا الامر جعلنا نعتقد بان التاريخ كتب فقط في مكان واحد بدون وجود اي تاثير خارجي … و الحقيقة غير ذلك … لان المنطقة كلها خرجت من تاريخ واحد … و المنطقة منذ قديم الزمان و هي وحدة واحدة ثقافيا .
فتاريخ اليمن لم يكتبه اليمنين، بل كل الشعوب …….لان شعوب هاجرت من ذلك التاريخ ، و كذلك تاريخ مصر لم يكتبه المصرين ، لان المصريين هاجروا من مكان الى مكان اخر لتكتب تاريخ اخر . و هكذا … نحن نتكلم عن زمن سحيق جدا .
كل تاريخ المنطقة هو تاريخك …. لكن لحد اليوم لم يستوعب احد هذه النقطة … لقد عمل الاستعمار على صناعة فجوات ثقافية و معرفية حول المنطقة سببت حالة من السعار التاريخي المرضي .
اذا لم نفهم هذا … فلن نخرج الى طريق في فهم حقيقي للتاريخ.
التاريخ ليس للاستعراض، بل للمعرفة و فهم سياقنا الثقافي و المعرفي و الديني و الاجتماعي ، لان البحث عن اوهام لن يفيد احد . نكران الذات و البحث عن الحقيقة هو الذي سيجعل الانسان اكثر وعيا و اكثر قوة و كل يوم يولد .
فاذا كان طائر العنقاء يمثل رمزية ثقافية جميلة لدى البعض خصوصا عشاق اليونان و عشاق قصة الفينقين في كتابات اليونان ، فعلينا ان نعرف ان العنقاء رمزية لنكران الذات و للبداية و الميلاد الجديد ، فلماذا لا ننكر الذات من اجل ان نولد من جديد ، لماذا لا نتخلص من القراءة المرضية للتاريخ التي لا تبحث عن المعرفة و الحقيقية و السياق الطبيعي ، بل تبحث عن امجاد و اوهام اننا صدرنا الحضارة ، لماذا لا نبحث فقط عن الحقيقة في اي مكان … حتى نرتاح.
لماذا لا نطلق سراح طائر العنقاء و نفك اسره ، لانه اصبح متعب كثيرا من الرحلة الطويلة التي صنعتها الذات المتضخمة …… لندعه يعود لعشه الاصلي … نعم هناك عش اصلي له … لندعه يعود لعشة الاصلي …. ففي مكان ما في المنطقة هناك عشه … لنساعدة في البحث عن هذا المكان ، ليعود اليه ، حتى يحرق نفسه و يخرج من تحت الرماد معلنا ميلاد جديد ، و يعود لنا قويا بالزمن الحقيقي ليكسر سجن الزمن الصهيوني القذر … و ربما يولد نبي جديد من تحت الرماد .
دعونا اذن …… نذهب الى اسطورة العنقاء و نحاول ان نكتشف الموطن الاصلي للعنقاء ، في القاموس اللاتيني يقال ان العنقاء طائر يعيش في الجزيرة العربية ، و في روايات التراث المدونة في الكتب العربية يقال ان العنقاء هو طائر اسطوري يعيش في جنوب الجزيرة العربية و يحرس اشجار اللبان.
و عليه فمن المنطقي جدا جدا بان مركز العقيدة ( الكعبة ) هو عش هذا الطائر الاسطوري و سيكون في جنوب الجزيرة ، لانه موطن اشجار اللبان و ليس في مكة الحالية .
في منطقة اشجار الطيب ( ذي الخلصة ) = طيبة = جنات عدن
و الان … و بعد كل هذه الحقائق ، لابد ان اخبركم بتعريفي الخاص للاسطورة :
الاسطورة بنظري ليست الا نصوص اولية واقعية جدا و قام الشيطان اليونان و الغرب طوال الزمن بتحريفها بشكل متعمد، و في كل زمن يتم اخراج نسخ جديدة لذلك التحريف .
اخيرا …..لقد فقدت شعوب المنطقة ذاكرتها ، و فقدت معرفة ذاتها و هويتها و معارفها و اسرارها ، لقد كان هناك مشروع منظم من قبل قوى لئيمة و شيطانية تعمل لاجل هذه المهمة، بينما شعوب المنطقة تعيش و هي تحسن الظن و لم تتخيل يوما بان يمكن ان يكون هناك في هذا العالم قوة تحمل كل هذا الشر و الاجرام و القبح . لم تكن تتخيل مطلقا بان هناك كيان شيطاني يمكن ان يكون متجسد بهيئة بشر او كيان سياسي .
و هذا الكيان الشيطاني ………. هو وراء التلاعب بجغرافيا النصوص الدينية الاولية ، و هو كذلك وراء صناعة اماكن مقدسة جديدة لخدمة مشاريعه الشيطانية … قديما و حديثا .
{والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون (107) لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين (108) أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين (109) لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم (110)}
صدق الله العظيم
انتهى